أهمية «الرسالة» التى سنسردها «اليوم» إن شاء الله سبحانه وتعالى أنها رسالة مستلهمة من شخصية مصرية من طراز خاص.. شخصية لها قيمتها وثقلها الوطنى والتاريخي.. شخصية جمعت بين العسكرية والدبلوماسية والمخابراتية.. شخصية كانت «عنصرًا فاعلاً» فى حركة الأحداث التى شهدتها مصر خلال واحدة من أبرز وأدق لحظاتها الفارقة ومحطاتها الفاصلة فى العصر الحديث.. إننى أتحدث عن محمد حافظ إسماعيل.. ذلك الرجل الذى شغل العديد من المناصب المهمة خلال «ستينيات» و»سبعينيات» القرن الماضى وكان «رقمًا مهمًا» فى جولات الحرب والسلام وكل ما يمس الأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى طوال تلك الفترة.. محمد حافظ إسماعيل كان سفيرًا لمصر فى العديد من عواصم العالم الكبري.. لندن.. باريس.. موسكو.. وغيرها.. عينه الرئيس جمال عبدالناصر فى عام «1970» رئيسًا لجهاز المخابرات العامة.. وفى العام التالى «1971» اختاره الرئيس محمد أنور السادات مستشاره لشئون الأمن القومي.
بينما كنت أبحث «بين الكتب القديمة» عن بعض «الرؤي» التى تناولت التحديات التى يواجهها الأمن القومى المصرى «والأمن القومى العربي».. وأفتش أيضًا عن «تفسيرات أكثر اقناعاً» لما يجرى «الآن» فى الإقليم والعالم، من أحداث تفوق الوصف وتخرج عن «دائرة المعقول».. بينما كنت كذلك إذ بعينى تقعان على كتاب محمد حافظ إسماعيل «أمن مصر القومى فى عصر التحديات».. على الفور رحت «أغوص» بين صفحاته واستكشف بين ثنايا رحلاته وجولاته ولقاءاته واجتماعاته «الثمينة».. رحت أغوص وأبحث واستكشف فى أحداث الماضي.. لعلى أجد ما يعين على فهم الحاضر وتفادى «تقلبات» المستقبل!!
كان أول ما استوقفنى فى الكتاب والذى صدرت طبعته الأولى قبل ثمانية وثلاثين عامًا.. «1408هـ.. 1987م».. كان أول ما استوقفنى تلك «العبارات» التى اختارها محمد حافظ إسماعيل من أقوال قادة ومفكرين مصريين وأجانب.. واستخدمها مثل بوابة المرور أو «كلمة السر» التى من خلالها يمكن لقارئ «الكتاب» أن يستخلص الإشارة أو «الرسالة» الذى تعينه على الفهم والإدراك «والتنبؤ».. سواء فى «الحالة المعروضة» أو الحالات والأوصاف التى لم ترد أو تأتى بعد!!.. كان من بين هذه العبارات عبارات عن الحرب والسلام قالها كل من الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات.. لكن العبارة التى جذبتنى إليها بقوة وأظن أن محمد حافظ إسماعيل كان شديد التأثر بها هى عبارة قالها «الفيلسوف»جورج سانتا بانا.. هذه العبارة تدعم «قناعتى الشخصية» بأهمية استدعاء البعد التاريخى عند قراءة وتفسير الأحداث فى الحاضر والمستقبل.. هذه العبارة التى قالها جورج سانتا بانا واستخدمها محمد حافظ إسماعيل كأحد «مفاتيح»الوصول إلى «الرسالة « والإمساك جيدًا بــ «الإشارة».. تقول «إن الذين لا يذكرون الماضى محكوم عليهم أن يعيشوه مرة أخري»!!.
فى كتاب «أمن مصر القومى فى عصر التحديات».. كأننى أرى محمد حافظ إسماعيل يرسم صورة من نوع خاص لمصر عندما تتحرك فى «لحظة تحد».. لحظة استشعار خطر.. لحظة دفاع عن أمنها القومي.. صورة لا حواجز فيها ولا مسافات زمنية.. فمثلما كان التحرك المصرى فى الماضي.. هو كذلك فى الحاضر.. والمستقبل أيضًا.. فى تلك «اللحظة» تجد مصر نفسها تتحرك وتتعامل مع التحديات بتلقائية تاريخية.. تستدعى الخبرة والرسوخ والثبات والعزيمة والثقة.. الممتدة لآلاف السنين.. وقبل ذلك كله تتحرك مصر وهى مطمئنة بالإيمان.. إيمان مصدره «السر القديم» الذى أودعه فى «هذه الأرض» خالق الأرض ومن عليها.. فكانت منذ بدء الخلق كنانة الله ودرع الآمنين.. يرسم محمد حافظ إسماعيل صورة لمصر «فى لحظة التحدي».. متخذًا «ستينيات وسبعينيات»القرن الماضى نموذجًا».. نموذجًا لمعارك الحرب والسلام.. يرسم محمد حافظ إسماعيل «الصورة» بالوقائع والأحداث والزيارات والجولات التى كان هو نفسه «أحد عناصرها وعواملها المؤثرة»فى تلك اللحظة التى أعقبت ماحدث فى الخامس من يونيو «1967» وامتدت لتمهد الأرض لزلزال العاشر من رمضان 1393 «السادس من أكتوبر 1973».. وصولاً إلى جولات «السلام».
يبدأ محمد حافظ إسماعيل فى رسم الملامح الرئيسية للصورة فيقول «بشعور وإدراك رجل الأمن القومي»: هنا فى مصر.. بدأت معركتنا منذ فجر التاريخ.. وسوف تستمر إلى ماشاءالله.. فحياة الأمم خاصة عندما تتمتع بمثل ما وهبه الله لمصر إنما هى قصة نضال مستمر لا أول له ولا آخر.. إن هدأ حينا فلكى يعود أكثر تأججًا.. لذلك من واجبنا ألا نطفيء شعلة الكفاح.. ويواصل: إنه ورغم تباين طبيعة المراحل وصور التحديات التى مر بها كفاحنا خلال «القرن الماضي».. فقد ثبتت طبيعة العوامل التى حددت النصر أو الهزيمة!!.. ويشير محمد حافظ إسماعيل هنا إلى أن: جماهير «هذا الشعب» ظلت دائمًا هى أمضى أسلحة الكفاح وأعظمها فعالية وأكثرها حسمَا لنتائج الصراع.. لهذا «والكلام مازال لمحمد حافظ إسماعيل» فقد ارتبط نجاح شعبنا على جبهته الخارجية بقدر ما توافر له من قوة واستقرار على جبهته الداخلية.. السياسية والاقتصادية والعسكرية.. فالعمل الخارجى لا يمكن أن يحقق الكثير ما لم يستند إلى قاعدة داخلية وطيدة وآمنة.
وبنفس شعور وإدراك «الأمن القومي».. يستمر محمد حافظ إسماعيل فى استكمال ملامح الصورة وذلك بتطرقه إلى تلك العلاقة التى تربط مصر بمحيطها العربى وهذا الارتباط الخاص بين مصر وفلسطين فيقول: لقد اقترن إنتماء مصر العربى بإيمانها بوحدة نضال الشعوب العربية وارتباط قضايا تحريرها من الاستعمار.. ثم بادراكها العميق لمسئوليتها التاريخية تجاه «أشقائها العرب».. وعلى هذا جاءت مشاركتها فى معارك الاستقلال والتطور.. ويؤكد محمد حافظ إسماعيل أن: أشق معارك مصر كانت فى قلب المنطقة العربية.. على حدودها الشرقية.. فمنذ صدور «وعد بلفور» والعالم العربى ينزلق تدريجيًا عبر مرحلة صدام مرير مع تطلعات الصهيونية العالمية التى أرادت أن تجعل من أرض فلسطين وطنًا لليهود.. ويستكمل محمد حافظ إسماعيل : منذ عام «1948» خاض العالم العربى ومصر سلسلة متصلة من المعارك لتجميد.. إن لم يكن لتصفية.. هذا التوسع الذى لا يهدأ للكيان الإسرائيلى المستقر فى قلب العالم العربى «والضارب بجذوره» فى أوروبا وأمريكا!!
فى الفترة ما بين الخامس من يونيو «1967» وحتى العاشر من رمضان 1993 «السادس من أكتوبر 1973» يشير محمد حافظ إسماعيل فى كتاب «أمن مصر القومى فى عصر التحديات» إلى كيف كان التحرك المصرى فى «اللحظة الحرجة».. لحظة التحدي.. لحظة الاستهداف الخاطف.. فهو يتحدث هنا عن تحرك مصرى عبقرى على «ثلاثة مسارح للأحداث».. تحرك فى اتجاه الاتحاد السوفيتى من أجل مزيد من الدعم فى مواجهة الدعم الكثيف الذى يتوالى على إسرائيل من أوروبا والولايات المتحدة.. كذلك تحرك ثان فى اتجاه أوروبا وأمريكا نفسيهما «عل وعسي» أن تنجح المساعى حتى فى تخفيف هذا الدعم الغربى الكثيف لإسرائيل ضد مصر والعرب والبدء فى طريق تحقيق «السلام الشامل العادل» فى الشرق الأوسط.. وبالإضافة إلى هذين «التحركين» كان التحرك الثالث وهو «الاستعداد للحرب» لاسترداد الأرض والدفاع عن الكرامة والعرض.. انظر هنا إلى خريطة التحرك المصري.. من موسكو إلى واشنطن مرورًا بلندن وباريس.. ثقة ورسوخ وتاريخ وإيمان.. فى اللحظة الحرجة تبدو مصر فى أجمل صور «الكنانة».. صورة «السر القديم».
اخترت من بين اللقاءات والجولات التى قام بها محمد حافظ إسماعيل فى تلك الفترة وذكرها فى كتابه.. اخترت لقاء جمعه فى «واشنطن» بالرئيس الأمريكى آنذاك «نيكسون».. هذا اللقاء كان فى «فبراير من عام 1973».. أى قبل أشهر قليلة من حرب العاشر من رمضان «السادس من أكتوبر».. ملحمة العبور.. كان لقاء «على درجة عالية» من الأهمية.. الكل يعلم الدعم الأمريكى الكامل والشامل لإسرائيل.. عسكرى وسياسى واقتصادي.. لكن كانت هناك رغبة مشتركة «مصرية – أمريكية» لعقد هذا اللقاء لمناقشة الوضع فى الشرق الأوسط وإمكانية تحقيق السلام.. الرغبة مشتركة وإن اختلفت «الغايات»!!
يروى محمد حافظ اسماعيل أنه فى صباح الجمعة الموافق الثالث والعشرين من فبراير «1973» كان على موعد بلقاء الرئيس الأمريكى نيكسون داخل البيت.. ويشير إلى أنه كان لافتا قيام الرئيس الأمريكى باستقباله فى «المكتب البيضاوي» وهو المكان الذى يستقبل فيه الرئيس الأمريكى رؤساء الدول والحكومات.. وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام أمريكا بالزيارة وفتح قناة مع مصر حول حل «مشكلة الشرق الأوسط».. ويقول محمد حافظ إسماعيل عن لقائه هذا بالرئيس الأمريكى نيكسون إن استقبال الرئيس الأمريكى له كان وسط حضور صحفى وإعلامي.. ثم بعد ذلك بدأ الاجتماع الرسمى حيث تسلم الرئيس نبكسون الرسالة التى بعث بها الرئيس السادات.. وراح نيكسون يطالع الرسالة التى ضمنها الرئيس السادات بعدد من «الاشارات».. الاشارة الأولى هو تقدير الرئيس السادات للدعوة الأمريكية الموجهة لمستشاره لشئون الأمن القومى «محمدحافظ إسماعيل» لزيارة الولايات المتحدة لتبادل وجهات النظر حول ما يهم مصر والولايات المتحدة والعمل على تحقيق السلام «العادل الشامل» فى الشرق الأوسط.. والاشارة الثانية التى تضمنتها رسالة الرئيس السادات.. هى الإعراب عن خطورة الموقف فى الشرق الأوسط والتأكيد على مسئولية مصر عن تحقيق تقدم جوهري «فى عام1973» لإرساء السلام.. وأشارت رسالة الرئيس السادات أيضًا «كما ذكر محمد حافظ إسماعيل» إلى التزام مصر بالمبادئ التى دافعت عنها بالاضطلاع بمسئولياتها نحو شعبها والشعوب العربية من أجل التقدم والحرية والسلام.. بعدما قرأ نيكسون رسالة الرئيس السادات واستمع لمحمد حافظ إسماعيل.. أكد تقديره لمصر ودورها وثقلها فى المنطقة.. لكن هذا الكلام لم يستطع أن يخفى التحيز الأمريكى الكامل لإسرائيل ودعمها المطلق فى مواجهة مصر والعرب.. وانتهى «اللقاء» مع الرئيس الأمريكى والذى أعقبه لقاءات واجتماعات أخرى عقدها محمد حافظ إسماعيل مع سياسيين ومسئولين أمريكيين آخرين.. وعاد محمد حافظ إسماعيل من رحلته التاريخية هذه إلى القاهرة.
نتائج زيارة محمد حافظ إسماعيل للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأمريكى نيكسون.. وقبلها نتائج زيارته لأوروبا.. نتائج هذه الزيارات جميعها وما دار فيها وضعها محمد حافظ إسماعيل أمام الرئيس محمد أنور السادات والذى ضمها لنتائج زيارة مماثلة قام بها مسئول مصرى آخر إلى «موسكو» لمعرفة أقصى حد ممكن أن يدعم به الاتحاد السوفيتى الحق المصرى والعربى فى مواجهة إسرائيل.. جمع الرئيس السادات كل هذه «الأوراق» وأخذ يتأمل.. موقف روسى لا يرقى إلى «عشر» ما تقدمه أمريكا لإسرائيل.. وموقف أمريكى – أوروبى داعم بلا حدود للأطماع الصهيونية.. وكل ما قاله قادة أوروبا وأمريكا عن «السلام» فى الشرق الأوسط.. ما هو إلا من قبيل الدعاية أو «الاستهلاك المحلي».. فكان القرار والتحرك المصرى «رغم حجم التحديات».. الحرب من أجل السلام.. الحرب لتحرير الأرض والدفاع عن الكرامة والشرف والعرض.. وكانت بفضل الله.. «ملحمة العبور» لاسترداد سيناء.. إن تجارب التاريخ الكبرى كانت دائمًا تشير إلى «معادلة» خارج نطاق التقليدية.. هذه المعادلة تقول إنه فى كل مواجهة تخوضها مصر ضد أى استهداف خارجى فإن ميزان القوة الشاملة «المرئية والخفية» يميل دائمًا لصالح مصر حتى ولو كان الطرف الآخر إحدى القوى العالمية الكبري.. نعم فى كل «تحدٍ».. أو»لحظة فارقة».. أو «محطة فاصلة» تهدد «أمننا القومي».. تظهر مصر فى أجمل وأوضح صورة من صور «الكنانة».. صورة «السر القديم».. السر الذى أودعه خالق الأرض فى «هذه الأرض».
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.