زمان كانت القواعد والأصول هى الحكم بين الناس، وكانت الحقوق تعود إلى أصحابها دون اللجوء إلى المحاكم أو الوقوف فى طابور جلساتها ومراحل التقاضى، كنا نعرف أن عمى فلان الله يرحمه رجل حقانى، والمعنى أنه يعرف الأصول ويرد الحقوق الضائعة والمسلوبة، ومعه عدد غير قليل من البلاد المجاورة كنا نعرفهم بالأسماء ومن أى العائلات هم. كانوا يعقدون جلسات الصلح والتى كانت تنتهى فى الغالب الأعم إلى مصافحة المتخاصمين وإطلاق الزغاريد وعودة الحقوق أو التنازل عنها بعد إقرارها برضا خاطر كما يقولون.
ولو استعرضنا تاريخ الجلسات العرفية وما أنجز فيها لربما فاق ما أنجز فى أروقة المحاكم بدرجاتها المتفاوتة بعد عناء ونصب. تلاشت الجلسات العرفية بمعناها المفهوم والمعروف فقد كانوا يرفضون تناول الحد الأدنى من كرم الضيافة إلا بعد إنجاز المهمة الموكولة إليهم بل منهم من كان يورط نفسه كضامن أو غارم ومنهم من بذل الغالى والنفيس من أجل إصلاح ذات البين ورأب الصدع بين العائلات، وكان من ثمار ذلك أن الفتن كانت تموت فى مهدها، وانعكس ذلك كله على عمل جهاز الشرطة بداية من النقطة التى تقع فى القرية الأم مروراً بمركز الشرطة وانتهاء بمديرية الأمن.
صحيح أننا مازلنا نسمع عن وجود لهذه الجلسات العرفية إلا أنها للأسف أصابها ما أصاب غيرها من الشطط وعدم الحيادية، وأصبحت هذه اللجان سبوبة فى الغالب الأعم لمن يتصدرونها إلا من رحم ربى، وزيادة على ذلك فقد أصبحت مصدراً للمشاكل التى يصعب حلها.
اللجان العرفية أو القضاء العرفى متى يعود إلى سيرته الأولى ومتى يعود الرجال الذين كانوا يقولون فتوزن كلماتهم بماء الذهب، يقينى أنها لو وجدت بطهارتها لأصبحت بمنزلة القضاء الذى نعرفه، وتسهم كثيرا فى انهاء خلافات تؤدى إلى تراكم القضايا امام المحاكم.. وقد تعلمنا أن التباطؤ فى أخذ الحقوق ظلم كبير، فهل تعود؟.