لا يمكننا إنكار دور التكنولوجيا فى تحقيق طفرة مميزة فى العلوم والمعارف الحديثة..لكن على الجانب المقابل من الشاطئ هناك تحديات مصاحبة لاستخدام التكنولوجيا فى ظل الثقافة المحدودة للمستخدمين.. وقد ظهرت ملامح هذه المخاوف على يد الكتائب الإليكترونية التى يتم تجنيدها لتشويه التراث والميراث الوطنى فى نفوس الشباب باستخدام أدوات التزييف والتضليل.. وحتى يتمكنوا من خداع البسطاء يستخدمون طريقة « السُم فى العسل».. ولكن هناك حراساً للثوابت العقائدية والوطنية يقفون لتلك المحاولات بالمرصاد ويتابعون تلك المؤامرة ويتصدون لها بالتحذير والتوعية وطرح البدائل الآمنة.
ومؤخرا انتشرت على شكل واسع ظاهرة تحفيظ القرآن الكريم عبر الإنترنت «أونلاين» متضمنة تجاوزات تشكل خطورة على قداسة حفظ كتاب الله تعالى حيث أصبح كثير من غير المؤهلين يعتبرونها مصدر كسب ومجرد» لقمة عيش»مما يهدد مستوى الحفظ القرآنى للراغبين دون ضوابط واضحة أو إشراف علمي..الجمهورية ناقشت قضية المُحفَّظ الإليكترونى مع المتخصصين فى التحفيظ hgnrlD أو من خلال تطبيقات العلماء يرون أن الوسائل الحديثة قد تساعد فى الحفظ والوصول إلى المحفظين محذرين أن البعض ممن لايمتلكون المؤهلات العلمية والشرعية ويتخذون التحفيظ الالكترونى بابا للكسب والتجارة وهم غير متقنين أو مجازين.
د. عبد الكريم صالح رئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر الشريف قال أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التى أنزلها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام حث على حفظ كتاب الله وتلاوته وتدبر معانيه وهو ما أكدت عليه العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تبشر من يتلونه حق تلاوته بالأجر والثواب العظيم.
موضحًا أن انتشار ظاهرة تحفيظ القرآن الكريم عبر الإنترنت وسيلة حديثة لتعليم كتاب الله لكنها تحتاج إلى ضوابط شرعية وأخلاقية صارمة حتى تحقق هدفها، دون خروج عن روح التعليم الدينى الصحيح، فلا مانع من الإفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة فى تعليم القرآن الكريم خاصة فى ظل اتساع رقعة العالم الإسلامي، ووجود ملايين المسلمين فى بلاد لا يتوافر فيها معلمون مؤهلون، لكن بشرط أن يكون المُحَفِّظ مُتقنا لتلاوة القرآن حافظا له، وعلى عِلْم بأحكام التجويد والقراءات وأن يتصف بالأمانة والخُلق والدين، مشددا أن التعليم لا يجب أن يتحول إلى تجارة، ولا ينبغى أن نتعامل مع تعليم القرآن الكريم على أنه تجارة ومصدر ربح، فالقرآن كلام الله ويجب أن يُعَلَّم ابتغاء وجه الله فقط وليس من أجل جمع المال أو تحقيق مكاسب دنيوية.
أشار د. عبد الكريم إلى ضرورة أن تكون دروس التحفيظ بالصوت والصورة حتى يتمكن المُعَلِم من متابعة الطالب بدقة ويتحقق التفاعل الحقيقى الذى يضمن جودة التعليم، مشددًا أن الهدف من هذه الدروس يجب أن يكون نشر العلم وتعليم أحكام التلاوة وليس مجرد مَنْحِ الإجازات والسندات، يلفت د. صالح إلى أن الأزهر الشريف يُقدم نموذجًا رائدًا فى هذا المجال من خلال إشرافه على منصات تعليم القرآن الكريم خاصة لغير الناطقين بالعربية والتى تقدم بشكل مجاني.
يشدد على حسين عابدين من علماء وزارة الأوقاف أن هناك عدة شروط ينبغى توافرها فى مُعَلِّم أو مُحَفِّظ القرآن الكريم، أهمها إخلاص النية لله تعالى بحيث يكون الهدف من التعليم وجه الله وحده وليس رياء أو طلبا للسمعة أو الشهرة مضيفا أن المُحَفِّظ لا بد أن يتحلى بحُسن الخُلق وطيب السيرة نظرا لمكانته فى المجتمع كحامل لكتاب الله ومُعلم لأفضل كلام وهو القرآن الكريم، كما يجب أن يكون المُعَلِّم مُتقنا لحفظ القرآن وتلاوته وعلى دراية بأحكام التجويد نظريا وعمليا لضمان تعليم صحيح وسليم للطلاب
مضيفًا أنه رغم جواز التعليم عن بُعْدٍ تبقى الأفضلية للتواصل المباشر بين الشيخ والطالب لما له من أثر روحى وتربوي، مثلما كانت علاقة الوحى بين النبى محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام، حيث كان جبريل يتلقى من النبى ويُراجعه معه سنويا، بل إنه راجعه فى العام الذى تُوفى فيه النبى مرتين مما يدل على أهمية المتابعة المباشرة فى تعلم القرآن الكريم.
فيما يرىالدكتور أبو اليزيد سلامة مدير قطاع المعاهد الأزهرية أن الأزهر الشريف يرحب باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة فى تعليم القرآن الكريم والعلم الشرعى والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لكن بضوابط ترشد هذه الوسائل لأن كثيراً من الناس يستخدمونها وهم لايعرفون شيئا عن الدين هم يعرفون كيفية التعامل مع وسائل التواصل الحديثة لكنهم بعيدون كل البعد عن الضوابط الشرعية وعن أحكام التلاوة الصحيحة فهناك كثير من هذه الوسائل تستخدم لتحفيظ القرآن الكريم لكن هناك مشكلتين الأولى أن القائمين عليها غير معتمدين وبالتالى هم ينطقون القرآن فى بعض الأحيان نطقا غير صحيح والأئمة علمونا أن الأخذ بالتجويد حتما لازما وصل القرآن الكريم وصل إلينا بالتواتر والمشافهة جيلاً عن جيل تلميذ يأخذ من شيخه جيلا بعد جيل إلى أن يصل إلى جيلنا الحالى هكذا تلقاه سيدنا جبريل وسيدنا النبى صلى الله من جبريل وتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه التابعون عن صحابه النبى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بلا مخالف أما المشكلة الثانية عند هؤلاء فأنهم يبثون أفكارا غريبة ويفسرون نصوص القرآن بتفسيرات خاطئة ويلوون أعناق النصوص فهم خطر شديد على أبنائنا لأنهم يهرفون بما لايعرفون وربما أدى بهم ذلك لأقوال لا تليق بالقرآن والسنة.
الدكتور عبد الفتاح خضر أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم بجامعة الأزهر والمحكّم الدولى فى الدراسات القرآنية يشير إلى أن الأصل فى تلقى القرآن الكريم أن يكون بالسماع المباشر من فَم المشايخ المتقنين لا بمجرد القراءة من المصحف أو الكتب مؤكدًا أن القرآن لا يُؤخذ إلا بالتلقى ومن لا يعرف التلقى لا يستطيع أن يفرق فى النطق بين الآيات رغم تشابه كتابتها فمثلا «ألم ذلك الكتاب» فى بداية سورة البقرة تختلف فى الأداء عن «ألم ترَ كيف» فى سورة الفيل والفارق فى التلقى والنطق لا فى الرسم.
يقول خضر أن الحفظ المباشر يخلق حالة من الفهم لاتتوافر فى التحفيظ الالكترونى فالحافظ أمام الطالب حسذًا وروحًا .
يؤكد خضر أن حفظ القرآن الكريم لا يصح أن يكون إلا على يد شيخ متقن فلامانع أن أُحفظ غيرى إن كنت قد تلقيت الحفظ والتجويد على يد شيخ فالقاعدة تقول لا تأخذ القرآن من مصحفي، والمقصود بـ»مصحفي» من قرأ القرآن دون تلقى من شيخ.
أوضح الدكتور خضر أن لتحفيظ القرآن سواء فى الكتاتيب أو المقرئ أو حتى عبر الإنترنت ضوابط أساسية يجب الالتزام بها أبرزها أن يكون المُحَفِّظ قد تلقى القرآن كاملاً على يد شيخ متقن وأن يكون مُجيدا لأحكام التلاوة والتجويد ويتحلى بأدب القرآن وأخلاقه ويحتسب الأجر فى تعليم القرآن، وألا يتخذ منه وسيلة للربح الجشع، وإن كان لا مانع من الحصول على مقابل مادى نظير الوقت والجهد دون استغلال أما من يقوم بتحفيظ القرآن دون أن يكون قد حفظ على يد شيخ أو من يجهل أحكام التلاوة فهو آثم شرعا ويجب منعه بكل الوسائل الشرعية والقانونية.
وحذر من خطورة هذه الظاهرة قائلًا إن هناك من يتكسّبون بالقرآن وهم لا يحسنون تلاوته فيعلّمون غيرهم الخطأ واللحن وهذا حرام شرعا وعلى المجتمع أن يواجه ذلك بحسم وألا يسكت على من يُحفظ القرآن الكريم وهو ليس من أهله لأن القرآن أمانة فى أعناقنا وسنسأل عنها يوم القيامة.