للأضحية مقاصد سامية، فهى من جهة طهرة للمال وصاحبه، ومن جهة أخرى إطعام للفقراء، وتوسعة على الأهل والأصدقاء والجيران والأحباب.
وهى سنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عند جمهور الفقهاء خلافًا للحنفية القائلين بوجوبها على القادر المستطيع، فقد ضحّى «صلى الله عليه وسلم» بِكَبْشَـيْنِ أَقْـرَنَيْنِ أّمْلَـحَـيْنِ، ولمـا سـئل عن الأضاحى قـال: «سنَّةُ أبِيْكُمْ إِبْرَاهِيْمَ «عَلَيْــهِ السَّــلامُ».
ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُا لتَأْتى يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
وأكثر الناس إنما يحفظون أو يقفون عند نص قول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: « كُلُوا وَأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا»، دون فهم دقيق لمعناه ودون جمع بينه وبين أحاديث أخرى فى الأضحية، وينظرون بما يشبه التقديس إلى أقوال بعض الفقهاء بتقسيم الأضحية إلى ثلاثة أقسام: ثلث للفقراء، وثلث للإهداء، وثلث للإنسان وأهله، غير مدركين أن هذا التقسيم الذى ذهب إليه بعض الفقهاء هو عملية تقريبية للتصرف، والقصد منه ألا يجـور المضحى على نصيب الفقــراء، وأن يخصهـم على أقـل تقـدير بالثلث فى أضحيته، فمن زاد زاده الله فضلاً.
ويغفل كثير من الناس عن أن نبينا الكريم «صلى الله عليه وسلم» لما رأى بالناس فاقة قال لهم: « مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِى بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ «، فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا العَامَ المَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا».
فحيث يكون الرخاء والسعة يكون العمل بقوله «صلى الله عليه وسلم»: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا»، وحيث يكون بالناس جهد وحاجة أو شدة وفاقة يكون العمل بقوله «صلى الله عليه وسلم» مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِى بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ».
على أن الأجـر على قدر التوسعة على الفقراء والمحتاجين، فعندما سأل نبينا «صلى الله عليه وسلم» السيدة عائشة «رضى الله عنها» حين ذبحوا شاة، فقال لها: «مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ «، قالت: مَا بَقِيَ مِنْهَا إلَّا كَتِفُها، قَالَ «صلى الله عليه وسلم»:» بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا»، فالذى يُعطى ويَتَصدق به هو الذى يُدَّخَر للإنسان ويجده باقـيًا يوم القيامة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ» «النحل: 96».
وينبغى أن يضـع المعطى نفسـه موضـع الآخـذ، حيث يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» «البقرة: 267»، وليتذكر الإنسان أن الأيام دول، وأن غنى اليوم قد يكون فقير الغد، وفقير اليوم قد يكون غنى الغد، وأن الله «عز وجل» قادر على تبديل الأحوال، حيث يقول سبحانه: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»»آل عمران: 140».