عبر التاريخ وفى معظم القضايا الجدلية الكبرى التى تحمل قدرا واضحا من الشحن العاطفى والدق على أوتار القلوب تتحول فيها الحوارات إلى معارك تستهدف هزيمة الأشخاص الذين يحملون الفكرة بدلا من هزيمة الفكرة التى يحملها الاشخاص، وقد تعرض ارسطو والكثير من الفلاسفة لمثل هذه الأمور، فظهرت فكرة خيال المآتة أو الرجل القش وهو تلك الشخصية الوهمية المصنوعة من القش والتى يضعها الفلاحون لمواجهة أسراب الطيور التى تهاجم محاصيلهم وتستخدم ايضاً كدليل على شدة الضعف والتى يضعها البعض أمامه وهو يتحاور مع الآخر، يحاول هؤلاء تصويب سهامهم إلى «خيال المآتة» أو الرجل القش ولا يتطرق إلى الفكرة من قريب أو بعيد، فإذا تحدثت فى أمر كضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى السودان فيرد عليك أحدهم لكن لابد أولا من وضع خريطة الوصول إلى حكم مدنى ديمقراطى من خلال انتخابات نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة ! فأنت تطالب بوقف أصوات المدافع وهو يطالبك بحضور عازف الكمان والعواد والفرقة الموسيقية، وإذا طالبت بوقف إطلاق النار فى غزة فينبرى احدهم ويتهمك بمحاولة ضرب مشروع المقاومة وان إقامة الدولة تحتاج إلى تضحيات ودماء، وإذا طرحت حل الدولتين تجد من يتهمك بدعم الصهيونية والاعتراف بالكيان السرطانى فى ارض المسلمين، إذا رفضت تهجير الفلسطينيين إلى سيناء اتهموك بااللاانسامية، وإذا سمحت للمرضى بالعبور لتلقى العلاج فى مستشفيات مصرية اتهموك بتصفية القضية وفق صفقة سابقة التجهيز، «فالرجل القش» او خيال المآتة جاهز لتفريغ الحوار الموضوعى من محتواه وتفتيت الأفكار الكبيرة إلى شظايا ومنمنمات وتفاصيل غير متماسكة، لقد تابعنا وقرأنا عن عدد هائل من المغالطات البهلوانية التى يستخدم فيها الرجل القش لإفشال الأفكار الجريئة والكبيرة، فى السبعينيات وقف محامى احد المصارف الأمريكية مترافعا أمام المحكمة باحثا عن حكم بإدانة محاولة سرقة بنك هو موكله فوقف أمام هيئة المحكمة قائلا « «أقترح عليكم فى حال لم يكن باستطاعتكم اعتبار هذا الدليل كافيًا للحكم على المُدعى عليهم بأنهم مذنبون أن نفتح أبواب جميع البنوك ونقول للصوص: هيا خذوا كل المال لأننا لن نكون قادرين أبدًا على إدانتكم» هنا حاول المحامى اخافة القضاة فى مغالطة بهلوانية فجة وبعيدا عن اصل وسياق القضية، وفى عام 1952 تعرض الرئيس نيكسون إلى اتهام خطير أثناء حملته الانتخابية لمنصب نائب الرئيس بتخصيص مبلغ 18000 دولار بشكل غير قانونى من صناديق الحملة لاستخدامه الشخصى وعندما أراد الرد والدفاع عن نفسه تحدث للجماهير عن هدية أخرى عبارة عن كلب وقال فى حديث تليفزيوني
«كان كلب صغير من سلالة سبينيلى تم إرساله فى صندوق طوال الطريق من تكساس، وكان مرقط بالأسود والأبيض، أطلقت عليه طفلتى الصغيرة تريكيا والتى تبلغ من العمر ست سنوات اسم الداما (على اسم لعبة الداما ذات الاحجار البيضاء والسوداء). وكما تعلمون يحب جميع الأطفال الكلاب، وانا أريد أن أقول ذلك الآن وبغض النظر عما يُقال فإننا سنحتفظ بالكلب»
هنا ايضاً استخدم نيكسون المغالطات البهلوانية ولم يرد على المبلغ وإنما تحدث عن الكلب الذى لم يسأله عليه احد.