كرّمها الرئيس تقديرًا لمكانتها الفنية
مدرسة فى الأداء والالتزام.. هكذا صنعت أيقونتها
170 مسرحية و100 مسلسل و50 فيلمًا .. رصيدها الفنى

ودّعت الساحة الفنية العربية امس سيدة المسرح وأيقونة الدراماالمصرية والعربية ، الفنانة القديرة سميحة أيوب. عن عمر يناهز 93 عامًا، أُسدل الستار الأخير على حياة مديدة لـ«سيدة المسرح العربى»، لم تكن مجرد سنوات عابرة، بل كانت فصولاً من الإبداع المتواصل، ونبراسًا أضاء دروب الأجيال. فى رحلة فنية تجاوزت 77 عامًا من العطاء السينمائى والتليفزيونى، ومسيرة مسرحية فاقت حدود المائة وسبعين عملاً،حفرت سميحة أيوب أسمها فى تاريخ الفن العربى ليبقى إرثًا خالدًا تتوهج بصماته فى الوجدان، ويتردد صداه فى أروقة الفن.
شُيّعت جنازة الفنانة القديرة، بعد صلاة عصر أمس من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، وسط حضور كبير و عدد من الفنانين والفنانات الذين حرصوا على تقديم واجب العزاء وتوديع الراحلة، منهم الفنانة نادية الجندي، التى كانت من أوائل الحضور، والفنانة لقاء سويدان، والمخرج أشرف فايق، والفنانة مديحة حمدي، والفنان أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية، والمخرج هشام عطوة، والفنان محمد صلاح، والفنان محسن منصور، والفنان خالد عبدالسلام نائب مدير المسرح القومي.
رحيل سميحة أيوب يُعد خسارة كبيرة للفن المصرى والعربي، حيث تركت إرثًا فنيًا وإنسانيًا سيظل خالدًا فى ذاكرة الأجيال.
ولدت سميحة أيوب عثمان فى حى شبرا بالقاهرة فى 8 مارس 1932. منذ نعومة أظفارها، بدا عليها شغف خاص بالتمثيل، متأثرةً بالمسرحيات التى كانت تُعرض. لم تكن المسيرة سهلة لفتاة تتوق إلى عالم الفن فى تلك الحقبة، لكن إرادتها كانت أقوى من أى قيود.. ففى عام 1947، وفى عمر 15 عاماً فقط، كانت بدايتها الاحترافية فى فيلم «المتشردة»، تبعته بفيلم «حب» عام 1948، لتعلن عن ميلاد نجمة واعدة.
فى عام 1949، خطت خطوتها الأكاديمية بالتحاقها بالمعهد العالى للتمثيل الذى أسسه عميد المسرح العربى، زكى طليمات. تتلمذت على يديه، وصقلت موهبتها الفطرية بالعلم والدراسة. وبالتوازى مع دراستها، استمرت فى العمل بالمسرح والسينما، فقدمت خلال فترة الخمسينيات العديد من الأعمال البارزة مثل «شاطئ الغرام» 1950 و»ورد الغرام» 1951. تخرجت فى المعهد عام 1953، وقد ذاعت نجوميتها فى أوائل الخمسينيات.
المسرح كان عشق سميحة أيوب، ومملكتها التى أخلصت لها. انضمت إلى المسرح القومى المصرى، وتولت إدارته مرتين فى الفترة بين 1975-1989، كما أدارت المسرح الحديث بين عامى 1972-1975. هذا الدور الإدارى لم يكن مجرد منصب، بل هو شهادة على قيادتها الفنية ورؤيتها الثاقبة.
بلغ رصيدها المسرحى المميز ما يقرب من 170 مسرحية، وهو رقم يؤكد حجم عطائها وتفانيها اللامحدود.. من «الأيدى الناعمة» 1954 و«كسبنا البريمو» 1959 و«تلميذ الشيطان» 1960 إلى «العباسة» 1963 و«كوبرى الناموس» 1964 و«سكة السلامة» 1964، وصولاً إلى «مصرع كليوباترا» 1968، و«ست الملك» 1978، و«الناس اللى فى التالت» 2001، و«يا إحنا يا هى» 2009. كل مسرحية كانت فصلاً جديداً فى كتاب إبداعها، حيث كانت تمتلك قدرة فريدة على التقمص، وإضفاء لمسة خاصة على كل شخصية، جعلتها محفورة فى ذاكرة الأجيال.
لم يقتصر إبداع سميحة أيوب على خشبة المسرح، بل امتد تأثيرها إلى عالم السينما والتليفزيون. قدمت حوالى 50 فيلماً سينمائياً، تنوعت فيها أدوارها لتبرز مرونة موهبتها وقدرتها على التعبير عن مختلف الأنماط الإنسانية. من «حياة وآلام السيد المسيح» 1938 و«الوحش» 1954 و«بين الأطلال» 1959 إلى «لا تطفئ الشمس» 1961 و«أدهم الشرقاوى» 1964 و«أرض النفاق» 1968. وفى العصر الحديث، ظهرت فى «تيتة رهيبة» 2012 و«الليلة الكبيرة» 2015، مؤكدة استمرار وهجها الفنى.
وفى الدراما التليفزيونية، كان لها حضور طاغ بأكثر من 100 مسلسل، تركت فيها بصمات لا تُمحى. من «عذراء مكة» 1961 و«الضحية» 1964 و«الهروب» 1969 إلى «أوان الورد» 2000 و«الضوء الشارد» 1998 و«المصراوية» بجزأيها 2007، 2009. كما شاركت فى أعمال حديثة مثل «سكر زيادة» 2020 و«الطاووس» 2021 و«انحراف» 2022 و«حضرة العمدة» 2023، مما يؤكد طول مسيرتها وعطاءها المستمر حتى سنواتها الأخيرة.
لم تكتفِ سميحة أيوب بالتمثيل المرئى، بل امتد صوتها الحكيم ليصدح فى أثير الإذاعة عبر عشرات المسلسلات الإذاعية، مثل «سمارة» 1955، «أم كلثوم» 1975، و«فارسة الأدب العربى . سهير القلماوى» 2004، بالإضافة إلى «دراما أوراق البردى» 2007-2020. حتى عالم الرسوم المتحركة لم يخلُ من بصمتها، فشاركت فى «المسلمون والإسلام» 2014.
على مدار مسيرتها الفنية الحافلة، نالت سميحة أيوب تقديرًا ملكيًا ورئاسيًا.
كان أخر ظهور لها فى عيد الشرطة الـ72 حيث وجهت الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى على الأمن والأمان الذى يعيش به جميع المصريين.
وقالت.. أشكر عزيز مصر وشعبك بيحبك وحاسس بالإنجازات.. شكراً على الأمن والأمان.. وكانت أمنية حياتى إنى أقابل حضرتك وأسلم عليك ليقوم السيد الرئيس السيسى بتقبيل رأسها تقديراً لها وموجها لها التحية.
كانت فنانه مثقفة تحث الشباب دائمًا على القراءة وتطوير قدراته وأن تكون له وجهة نظر فى الحياة.
برحيل سميحة أيوب، يغيب الجسد، لكن روحها الفنية ستظل حية متوهجة فى كل عمل قدمته. لقد كانت مدرسة فى الأداء، قدوة فى الالتزام، ورمزًا للتفانى فى خدمة الفن. سيبقى اسمها محفورًا فى سجلات الفن العربى، وستظل أعمالها نبراسًا يضىء دروب الأجيال القادمة، وشهادة على أن الإبداع الحقيقى لا يحدده زمن، بل يخلده العطاء.
أهل الفن ينعون سيدة المسرح العربى

فى مشهد يعكس مكانتها الاستثنائية، سارعت المؤسسات الرسمية والشخصيات الاعتبارية لتقديم واجب العزاء، فى رحيل سميحة أيوب.
وزير الثقافة د.أحمد هنو أعرب عن بالغ حزنه وأسفه لرحيل الفنانة القديرة، مؤكداً أن مصر فقدت ركيزة أساسية من ركائز الفن الأصيل، وعلامة فارقة فى تاريخ المسرح العربي.
.. والدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين قال فى بيان رسمي: سميحة أيوب لم تكن مجرد فنانة عظيمة، بل كانت أماً ومعلمة ورمزاً للعطاء والتفانى فى خدمة الفن.
كما نعتها الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة الكاتب أحمد المسلمانى مؤكدة إن إبداعات الفنانة الراحلة من دراما ومسرحيات رسخت لقيم ومبادئ مجتمعية أصيلة، وأسهمت فى تشكيل الوعى وتنوير العقول، وستظل أعمالها خالدة فى عقل ووجدان المشاهد المصرى والعربي.
قال المخرج خالد جلال رئيس قطاع المسرح: اليوم تنكس رايات الإبداع ألماً ووفاء لرحيل سيدة المسرح العربي، وإحدى أبرز القامات الفنية الشامخة.
.. وقال المخرج عادل حسان مدير عام المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية: أفنت سيدة المسرح العربى عقود عمرها فى تشكيل ملامح، وتاريخ الفن المصرى والعربى بما قدمته من أعمال أثرت فى وجدان الشعب العربى بأكمله، حتى باتت إحدى الأيقونات البارزة فى الحياة الثقافية والفنية العربية، بأداء راق وأعمال خالدة.
.. وقال الفنان هشام عطوة رئيس البيت الفنى للمسرح: كانت الفنانة سميحة أيوب رمزاً للفن الراقي، وعلامة بارزة فى تاريخ المسرح العربي، قدمت خلال مشوارها الممتد لعقود طويلة العديد من الروائع المسرحية التى شكلت وجدان أجيال.
.. وعبرت النجمة إسعاد يونس عن حزنها الشديد، ناشرة صورة مؤثرة تجمعها بمسيحة أيوب عبر حسابها الرسمى على إنسجترام، وعلقت عليها: وداعاً سيدة المسرح العربي.
.. الفنانة نادية الجندى كتبت عبر حسابها الرسمى على إنستجرام: فنانة جميلة من الزمن الجميل الذى لا يعوض، وإنسانة وصديقة قبل كل شيء. ومن خلال معاشرتى لها عن قرب، لمست فيها جانباً إنسانياً لم أره كثيراً فى الفن، إحساسها بفنها، التزامها، وأخلاقها فوق الوصف.
وقال النجم حسين فهمي: فقدنا قمة العطاء المسرحى سميحة أيوب رحمها الله.. ونعها المخرج المسرحى حسام الدين صلاح: وقال رحم الله سيدة المسرح العربى وأسكنها فسيح جناته.
ونعت الفنانة إيمان حمدى أستاذتها أسطورة التمثيل وفن الإلقاء سميحة أيوب، قائلة إنها كانت أستاذة الأجيال، وفنانة متواضعة جداً وتساعد الجميع من أصغرهم لأكبرهم فى الكواليس وعلى خشبة المسرح.. وكانت السبب الرئيسى فى اكتشافى وشهرتى عندما كنت أشاركها البطولة فى مسرحية الوزير العاشق، وكنت أقوم بدور سميحة أيوب وهى صغيرة.