لقد تميزت الدراما المصرية عبر تاريخها بالعمق والتأثير وهى أداة من أدوات القوى الناعمة للدولة المصرية واداة سياسية فاعلة للتأثير، لان قوى الإرهاب تخشى ما تخشاه من المبدع الحقيقى الذى يحمل سلاح الفكر وسط هجمة شرسة من اعلام موجه عبر الفضائيات والقنوات المدعومة التى تبث من الخارج، وصناعة ما يسمى الأفلام الوثائقية الموجهة، فلا شك أن الدراما التلفزيونية تتجلى فيها كل الأفكار المؤثرة فى محيطنا الفكرى والثقافى الحالى فهى اداه لإنارة عقول الشعوب وتثقيفها وتعد أكثر الفنون جاذبية وانتشاراً، ومنذ ظهور السينما فى فرنسا فى عام 1895م وانتشارها فى العديد من الدول أصبحت صناعة الدراما تضاهى الصناعات الكبرى من نشر الكتاب والصحيفة، وتبلورت من خلالها الثقافة الراقية التى توثر تأثيراً شديداً على النشء وقد تعددت الدراسات التى تؤكد على الآثار الاجتماعية السيئة من خلال انتشار التوجيه غير المباشر للقيم السيئة والجريمة المنظمة وتحديدا على فئة المراهقين.
«المتحدة» ورهان اللحظة الفارقة
ومنذ بدء موجات الإرهاب خلال العشر سنوات الماضية تعالت الأصوات التى تندد بالإرهاب ولا سيما بعد عدة حوادث تخريبية وتعديات على أمن الوطن والمواطنين، وتمثلت الصيحات فى نداءات متكررة من كافة الأجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى بضرورة تكاتف الجهود لمواجهة الإرهاب مواجهة قوية وإيجاد منابر إعلامية وثقافية تنويرية لتتولى الريادة فى هذا الصدد وتمتلك زمام المبادرة والمواجهة.
وجاءت الشركة المتحدة لتصنع طفرة فكرية وابداعية وثقافية قوية، ولتكشف أمام المواطن من خلال عدد كبير من الاعمال الوثائقية والدرامية خطورة الفكر المتطرف وأبعاد المؤامرة التى تحاك على مصر واستقرارها، بطريقة هادئة ومستنيرة وقوية من خلال ابداعات درامية اجتماعية وتاريخية وكوميدية راقية تحترم عقل المشاهد وثقافة الأسرة المصرية وهويتها الحضارية.
لقد خرجت المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية والأخلاقية والإعلامية من حيز المقال والإنشاء إلى حيز الفعل والتطبيق والمواجهة فى عقر دار كل بيت قد يكون فيه مؤثر من المؤثرات الثقافية السائدة التى تساند التشدد والتطرف الدينى، ولأن الثقافة والابداع تفكير إيجابى ومتجدد خرجت أعمال درامية متطورة لمواجهة الفساد الاجتماعى وثقافة الإرهاب الفكرى والتعصب الدينى والمذهبى.. إن اقتحام قضايا المجتمع الحساسة ونقل أدوار رجال الظل والمؤسسات الرسمية وحقيقة مواقفهم الوطنية وخاصة أوقات الازمات السياسية كانت رهان اللحظة الفارقة فى ثقافة المواجهة التى تبنتها المتحدة ومجموعاتها البحثية التى كانت تعقد قبل كل عمل درامى ورشة فكرية وثقافية تدور حول الفكرة الرئيسية وتختار من الباحثين والكتاب المتخصصين والعاملين فى مجالات السيناريو والحوار مدعومة بكتيبة بحثية رصدية رائدة فى فنون الاتصال الحركى للتعامل مع الواقع الملموس.
ومعروف بشكل قطعى الخلفية الدرامية لكثير من الاعمال الفنية التى كانت تسوق لنا عبر قنوات تنتج فى الخارج أعمالا فنية موجهة من أجل عمليات زرع الأفكار وغسل وصياغة العقول وتغيير التاريخ، فقد وجهت أعمالنا الدرامية الجديدة مدافعها نحو العدو الحقيقى مما افزعه هذا التحرك فاستدعى حالة جديدة من الإعلام المضاد من منصات جديدة وميليشيات تملك آليات جديدة حديثة متطورة تبدأ من تقنيات الكتابة والسرد وتنتهى بالتصوير التقنى والمؤثرات الخاصة لتأثير اكثر فى الجمهور.. لقد قدمت «المتحدة» الدراما الواقعية والاجتماعية والتربوية والرومانسية والسياسة والنفسية والبوليسية، واظهرت ملفات خطيرة من أجهزة المخابرات العامة والخاصة الخارجية والداخلية، وكذلك الرواية التاريخية، ومن هنا لا نستطيع حصر العدد الكبير من الاعمال الدرامية فى هذا التحليل الشامل لكن سوف نعرج على بعض منها او أهمها أو ما اثر فى وجدان المشاهد المصرى والعربى وأحدث جدلاً كبيراً خلال الأعوام الماضية، ولا ننسى أعمال مثل «العائدون» لأمير كرارة عام 2022م، والكتيبة 101 بطولة عمرو يوسف، آسر ياسين، والتى اخذت نفس المنحنى فى المواجهة وهنا نعرض بشكل مختصر لاهم الاعمال المؤثرة مثل:
«الاختيار» بالأجزاء الثلاثة كشفت براجماتية الإخوان
من خلال مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة ونجومه كان الفضح لمخططات الجماعة الإرهابية وكيف واجه رجال الجيش والشرطة الإرهاب ليحموا بلدهم من الدمار وأشار برومو العمل منذ البداية إلى أن المتحدة تعى خطورة الكلمة أكثر من السلاح، والمسلسل سيناريو وحوار هانى سرحان، وإخراج المخرج بيتر ميمى الذى سوف يصاحب كثيرا من الاعمال الدرامية الجيدة ليكون رأس حربة المواجهة الدرامية الجديدة، وسلط المسلسل الضوء على بطولات رجال القوات المسلحة والشرطة والمصريين الذين يضحون بأنفسهم من أجل الحفاظ على الوطن، وتناول قصص حياة شهداء مصر منذ الفترة 2013 حتى 2020 كما قدم عددا من الوثائق التلفزيونية لعدد من قادة الإخوان التى تثبت براجماتيتهم السياسية وتناقضاتهم الفكرية وانتهازيتهم، والأهم أنها قدمت حقائق تاريخية لتناقضات بعض الجماعات فيما بينهم وسخريتهم من بعضهم البعض وانقسامهم على انفسهم من اجل المصالح السياسية وليس الدينية واكتملت الحلقة بمسلسل «الكتيبة 101» والذى واصل تقديم مرحلة مهمة من تاريخ الوطن وكيف كانت المواجهة ضد تجار الدين.
«هجمة مرتدة» تظهر قدرات الأجهزة
وإذا كان الاختيار فضح حقيقة جماعات الدم والتكفير وأظهر الدور البطولى لأبناء مصر من رجال الجيش والشرطة فإن هناك أعمالا كشفت أيضا خونة الأوطان الذين باعوا أنفسهم لدول وأجهزة خارجية من أجل تدمير بلدهم وهذا ما فضحه مسلسل «هجمة مرتدة» رمضان 2021 للنجم أحمد عز، والنجمة هند صبرى الذى كشف عن المؤامرة الكبرى التى كانت تخطط لمصر عبر عملاء بعد دخولهم إلى البلاد من أجل تدميرها مثلما حدث مع العراق فى 2003.
واظهر المسلسل تفاصيل مهمة للغاية وتحليل ما وراء الصورة فى تحركات كانت تديرها بعض الشخصيات والمجموعات الممولة، وكيف كانت تتعامل معهم الأجهزة الأمنية المصرية بقدرة فائقة واحترافية نجحت من خلالها فى السيطرة والاحتواء، وأظهر المسلسل قدرات الأجهزة على عملية ضبط ومتابعة هذه العناصر خارج الحدود المصرية.
لقد هزت مشاهد «هجمة مرتدة» أعماق الحقيقة الغائبة فى تناول شخصيات حقيقية لمستها الاحداث أثناء 25 يناير وما بعدها وكيف كانت المؤامرة على مصر وأهلها.
«القاهرة كابول» يكشف أبعاد المؤامرة
أما المسلسل الرابع فهو «القاهرة كابول» رمضان 2021 وهو العمل الذى يفضح التطرف وينشر التوعية بخطورة الإرهاب والمخططات الخارجية التى كانت تحاك للمنطقة العربية، حيث اعتمد المسلسل على 3 شخصيات رئيسية هم: الإعلامى وجسده النجم فتحى عبدالوهاب، وضابط الأمن الوطنى وجسده النجم خالد الصاوى، وشخصية الإرهابى والذى جسده النجم طارق لطفى، فضلاً عن الأدوار الأخرى للنجوم حنان مطاوع ونبيل الحلفاوى وشيرين، وهو من تأليف عبدالرحيم كمال، ومن إخراج حسام على.
«القاهرة كابول» طرح قضية مقتل الشيخ الذهبى وبدايات الجهاد الافغانى والسيطرة العالمية على القاعدة وانتشارها منذ بدايتها وحلم الخلافة عند تنظيمات العنف الدينى، مؤكداً أن جيوش كل من سوريا والعراق كانت هدف هذه التنظيمات لكى تصبح لهما أولى ولايتين فى حلم الخلافة المزعومة، وتسليط الضوء على العمليات الإرهابية التى تشهدها تلك المنطقة وفى القلب منها مصر ومن المتسبب فيها وكيف كانت يقظة الأجهزة المصرية فى الداخل والخارج من خلال متابعة العناصر المتطرفة وضبطهم وافساد مخططات السيطرة فى البلاد.
«الزيبق» الحقيقة والمعنى
ومن الاعمال المتميزة التى روجتها الفضائية المصرية فى رمضان عام 2017 وتسير فى نفس اتجاه الشركة المتحدة مسلسل «الزئبق» لكريم عبدالعزيز والتى تدور أحداثه حول شاب مصرى يدعى عمر صلاح، يعمل فنى كاميرات مراقبة لدى شركة اللواء جلال، الذى يقع على تحركات مشبوهة لبعض الشخصيات التى تعمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلى ،وهنا يتم تجنيده من قبل المخابرات المصرية عن طريق الضابط خالد صبرى أبو علم الاسم الحركى، بهدف أن يندس داخل عناصر بدولة اليونان ليقوم بالكشف عن خلية الموساد الموجودة هناك ولها ارتباطات فى مصر لمعرفة المهام المطلوبة منهم داخل مصر.
يسافر عمر إلى اليونان، وينجح فى الاندماج فى المجتمع اليونانى، ويتعرف على الجالية العربية هناك، ويتزوج من فتاة يونانية تدعى سارة، والتى تعمل فى مكتب رعاية شئون المقيمين العرب فى اليونان.
يتمكن عمر من الوصول إلى معلومات مهمة عن خلية الموساد، وينقلها إلى المخابرات المصرية، والتى تقوم بتنفيذ عمليات ناجحة ضد الخلية.
يتناول العمل بشكل بوليسى درامى تفاصيل توعية المواطنين المهاجرين من خطورة الرغبة فى تحقيق المكسب السريع وكيف يمكن ان يقود إلى الخطر وانه على الشباب ألا ينخدع بمعسول القول ولا ينجرف وراء المتع الحسية والجنسية، وينتهى المسلسل ليعود البطل إلى مصر، حيث يكرمه الرئيس المصرى، إنها قصة تكررت وتتكرر وسوف تتكرر وتبقى الخبرة والتعليم من تجارب المشاهدة الدرامية الواقعية.
لماذا «الحشاشين» الآن وما علاقتها بالإخوان
طرحت «المتحدة» هذا العام رمضان 2024 مسلسل «الحشاشين» تأليف عبدالرحيم كمال وإخراج بيتر ميمى، مع بدايات عرض المسلسل على الفضائيات والمنصات اثيرت عدة أسئلة من جمهور المتابعين، لماذا مسلسل الحشاشين الآن؟ ولماذا نرمز أو نسقط تاريخ الحشاشين على جماعة الإخوان؟ وهل هناك علاقة فعلية بينهما؟ وهل قدم التاريخ الحقيقى أم هناك تحريف أو تزييف فى بعض الحقائق لتطويعها لصالح السياسة والسياسيين؟، وهل الإخوان أحفاد الحشاشين فعلا؟ وهنا نترك الرد لدار الإفتاء المصرية من خلال الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء العالمى الدكتور إبراهيم نجم والذى حسم الجدل بطرح منهجية قراءة أهل الفرق والأهواء قديماً وحديثاً واعتبار الإخوان وجماعات الإسلام السياسى مثل الخوارج والحشاشين والقرامطة حيث يقول: «كان هدف هذا المنهج بيان الصفة أو الصفات التى لو وجدت فى شخص أو قوم أو جماعة أو تنظيم لحق بالخوارج حكماً، واخذو حكم الخوارج شرعاً وهو ما يعرف «بمناط العلة» فى الشريعة الإسلامية من حيث التعامل معهم، بمعنى: لا يهمنا كثيرا ماذا نسميهم؟ بقدر ما يهمنا كيف نتعامل معهم؟ وهل تطالهم الأحكام التى فى الأحاديث أم لا؟ وخاصة لو تأكد لنا وعرفنا أن معظم الأحاديث الواردة فيهم لم تذكر تسميتهم بالخوارج، بل هو اسم صكه علماء الفقه والعقيدة والسير والتاريخ عبر القرون الماضية، فيصبح كل من يكفر أهل السنة وجماعة المسلمين، ويخرجون بالسلاح على مجتمعهم، من أهل البدع تلحقهم أحكام الخوارج وأهل الغلو، فلو زادوا بدعاً أخرى غير التكفير يصبحون خوارج وزيادة، حيث زادوا على مناط علة الخوارج مناطات أخرى زادتهم شراً على شر، كذلك أجرينا على جماعات الإسلام السياسى المعاصرة ما جرى على أحداث وسير وفتن أقمها الخوارج وأهل الفرق فاستحقوا أن تنسحب عليهم نفس التسميات التى اطلقها علماء المسلمين ومؤرخيهم عليهم».
بل وخرج بيان مركز «سلام» لدراسات التطرف بدار الإفتاء المصرية بقوله: استطاع مسلسل»الحشاشين» ومؤلفه عبدالرحيم كمال وصناع العمل من بناء عمل درامى باق إلى الأبد لانه فضح أهل الفكر المتطرف وأكذوبة من يدعون امتلاك مفاتيح الجنة والحديث باسم الدين ولهذا فإن الحشاسين سيكون بداية حقيقية لاجتثاث أفكار أهل الغلو والتطرف، بل وصك منهج جديد فى قراءة فكر جماعات الإسلام السياسى من خلال تاريخ اهل الفرق والأهواء القديم أمثال الحشاشين والقرامطة.
بالطبع الأعمال الدرامية تدخل كل بيت ولان التطرف والتشدد الدينى يحدث فى السياق الاجتماعى الذى تشكله العائلة والأصدقاء والشبكات الاجتماعية من الأساس لذلك فإن أهم برامج اجتثاث التطرف المتطورة حديثاً تعتمد على الحكى الشعبى والسياق الدرامى والتمثيلى لأنها تكسر ديناميكيات الجماعات المتشددة من المنبع من خلال ابراز القصص الشعبية وكيف كان مآلاتها النفسية والاجتماعية على واقع الناس الملموس.
مصر تاريخ من الدراما الهادفة
لقد ظلت الاحداث الكبرى فى التاريخ والشخصيات الشهيرة محوراً هاماً لكل الأعمال الدرامية الهادفة التى تقدم عبر شاشة التليفزيون من خلال أمثلة عدة، بداية بالشخصيات الدينية كالرسل والأنبياء، مروراً بالشخصيات التاريخية التى أثرت بأعمالها فى تاريخ الأمم، وانتهاءً بالشخصيات الشهيرة فى تاريخنا المعاصر، مرورا بالأحداث السياسية والأحداث الكبرى فى تاريخ هذا الوطن .
فوجدنا مسلسلات دينية «مثل لا إله إلا الله» والتى اعتمدت على قصص الأنبياء وإيراد سيرهم، ووجدنا كذلك مسلسلات لشخصيات تاريخية مثل مسلسلات : موسى بن نصير، عمر بن عبدالعزيز، هارون الرشيد، الامام الترمذى، الطبرى، عُــمــر بن الخطاب، خالد بن الوليد، عمرو بن العاص، شيخ العرب همام، كليوباترا .
ثم المسلسلات التى تتناول حياة الشخصيات التاريخية المعاصرة والتى سعت لتقديم سير أعلامٍ أثّرت فى حياة الناس بأفكارهم أو بأعمالهم مثل مسلسلات : أم كلثوم، طه حسين، ناصر، السادات، الملكة نازلى، قاسم أمين، يوسف السباعى، والشعراوى، المراغى، مصطفى مشرًّفـة، الريان، حسن البنا ريا وسكينة.
ثم جاءت مسلسلات سير الفنانين فتوالت علينا زمرة من المسلسلات التى تتناول حياة المشاهير منهم مثل: العندليب، السندريلا، ليلى مراد (قلبى دليلي)، كاريوكا، بيرم التونسى (أهل الهوي)، إسماعيل يس.
وهذه النوعية من المسلسلات والاعمال السياسية والتاريخية مازالت تجذب الجمهور وتحقق مشاهدات عالية مقارنة بغيرها من الاعمال الدرامية الأخرى، لأنها تقدم نماذج حقيقية وصوراً وطنية وفكرية مستنيرة بشكل درامى متميز، ولهذا حققت بعض الأعمال الدرامية الوطنية نجاحا كبيراً مثل مسلسل (رأفت الهجان) الذى أنعش عاطفة الانتماء الوطنى بعد أن ظـنٍ بخفوتها فى الوعى الجمعى المصرى.
المآخذ ستبقى ويبقى الأثر
ورغم المآخذ التى يمكن أن تكون على بعض الاعمال التاريخية والتى يبديها النقاد، والصراع الطبيعى بين أهل التاريخ واهل الدراما إلا أن شركات الانتاج الكبرى ما زالت متجهة وبقوة نحو المسلسلات التاريخية ومسلسلات السير الذاتية، فما سر جاذبية هذا النوع من الدراما التليفزيونية؟! والإجابة على الفور.. هى ملائمة المسلسلات التاريخية والاجتماعية والسير الشخصية لطبيعة الدراما التليفزيونية وقبول الجمهور لها، التى هى بالأساس دراما الشخصية التى يقوم المؤلف أو السيناريست برسمها جيداً وتحديد أبعادها تحديداً محكماً يجعل من الشخصية شخصية شبيهة بشخصيات الحياة الحقيقية والقادرة على ردود الأفعال وعلى فرض دلالاتها على المشاهد.
وكذلك ملائمة طبيعة الصراع الدرامى فى هذه الأعمال لمقتضيات الواقع الاجتماعى المعاش يوميا خاصة فيما يتعلق بمواضيع السلطة والنفوذ والتنافس والمؤامرات مما يتيح استخداماً أمثل لعناصر التشويق والإثارة والمفارقات والانتقال والتحول وغيرها من مقومات البناء الدرامى ومفرداته المعروفة.
ثم يأتى دافع مشاهدة آخر وهو الحنين للماضى هرباً من عنت الحاضر واخفاقات المواطن فيه، ونزوعاً متعمداً ومقصوداً نحو زمن أقل صخباً وأهدأ إيقاعاً، فضلاً عن رونق الماضى وفخامة ذكراه وشديد بهائه وخفى سحره، فالدراما مستوحاة دائما من قصة حقيقية، ما يدفعنا لتساؤلات حول حدود وقواعد الدراما بالنسبة للتاريخ مثلا هل هى «الاستلهام الفنى والاستعارة والانتحال والسرقة والسرد والانتقال والتمثُّـل والتأثُـر والتقليد والصدى والتلميح والتناص والإثارة» وغيرها من مصطلحات فنية فى عالم الدرامى الاكاديمى الذى ابتذل من خلال هذا العمل أو ذاك تحت دعوى أنه مستوحى من أحداث حقيقية أم هو خيال ومن حق المؤلف أن يتخيله ويسقط ما يريد على الواقع.
وحتى لو خالفت مقتضيات الحقيقة التاريخية الدراما الذى يستدعى وجود رتوش مختلفة عن الحقيقة بخلاف ألوان الدرامية المقدمة على الشاشة، فإن الملمح هو تقديم العمل بثنائية الخير والشر التى يصر كتاب السيناريو تصديرها حين يتناولون حياة المشاهير لتتحول مسلسلات السير «لمسلسلات المناقب التليفزيونية» كما يصفها الكاتب صلاح عيسى مبرراً سعى كتاب الدراما لتلميع تاريخ لبعض الشخصيات التاريخية، ومن هنا يتعرض بعض كتاب الدراما «لضغوط أقارب الشخصيات التاريخية الذين يطاردون صناع هذه المسلسلات بالدعاوى القضائية بدعوى أنها تشوِّه سيرتهم كما حدث فى مسلسلات الشيخ الشعراوى، أسمهان، ليلى مراد.
لكن التبرير السابق الذى يسوقه بعض المعترضين على هذه النوعية من الدراما تدحضها أحكاماً قضائية صدرت بخصوص هذه المسلسلات ولصالح صناعها طبعا فى النهاية، وهو ما تأكد برفض محكمة الاستئناف الاقتصادية دعوى ورثة إحدى الفنانات بالتعويض موضحةً فى حيثيات حكمها أنه «من حق أى كاتب أو منتج التعرض لحياة أى شخصية عامة أى كان مجالها سواء سياسية أو رياضية أو فنية، بشرط ألا يُـسىء إليها فيما لا يعرفه الجمهور عنها حيث من حق الجمهور معرفة السيرة الذاتية لأى شخصية عامة لأنها أصبحت ملكاً للتاريخ.
«أنـا لا أنكر التاريخ .. ولكنى لم أكن فيه!!»
المقولة السابقة للروائى والشاعر والمسرحى الفرنسى ألفريد دى موسيه الذى يرى أن «الدراما هى وحدها القادرة على تقديم ذلك التفسير الصحيح لسلوك الناس بسبب رحابة أفقها وشمولية نظرتها، بينما يعجز التاريخ المجرد وأربابه عن تقديم ذلك التفسير الصحيح بسبب مجال التاريخ المحدود ونظرته التسجيلية، فتاريخ الوقائع والاخبار يختلف عن تاريخ التحليل الاثار والأحداث.
لقد حاول البعض تقريب المسافة (ولو قسراً) بين الدراما والتاريخ وإيجاد وجه التشابه (بل التطابق) بينهما حين قالوا إن التاريخ نفسه ما هو إلا «قص لأحداث مضت حكياً، يعتمد إلى حد كبير على أدوات الأدب بدءاً من الانتقاء الذاتى والشخصى للمؤرخ لأحداث بعينها، واعطاء بعض الأحداث أهمية دون غيرها، فتتحول الوقائع غير المرتبة إلى مادة منظمة لها بناء محكم له بداية ونهاية» وهو ما نجد نظيره فى الدراما لكن فى النهاية كتاب الدراما يبدأون من حيث ينتهى المؤرخون.
المشروع الوطنى الجامع
لقد فطنت «المتحدة» لطبيعة المرحلة التاريخية التى تعيشها مصر وضرورة ان تلعب الدراما الدور المطلوب منها فى مكافحة التطرف والأفكار التكفيرية وفضح المخططات التخريبية ضد الوطن ونجحت فى هذا باحترافية شديدة وعلى صناع الدراما أن يجتمعوا على كلمة سواء حول الدراما التليفزيونية الهادفة والتى تفرضها طبيعة التليفزيون والعصر كوسيلة إعلامية وظروف مشاهدتها الأسرية وطبيعة جمهورها فى المرحلة القادمة.
إن نجاح «المتحدة» فى هذه الرسالة دعوة لكافة المحطات الكبيرة المتمكنة وذات الانتشار الواسع وقوة الحضور لإدراج الدراما التاريخية الوطنية ضمن خططها البرامجية، وعلى المتحدة الاستمرار فى هذا النهج بل وتعميقه والاستعانة بالمتخصصين وزوايا الكاميرات الواقعية الجديدة، وأن ندخل فى تفصيلات وقضايا أكثر واقعية على أن «تكون» مشروعاً فكرياً وطنياً تنويرياً وثقافياً جامعاً رائدا فى المستقبل، تقدم من خلاله رؤية درامية للتاريخ الحديث والمعاصر وفق خطط بعيدة عن أهواء كُتّابها ومن خلال اعتماد فريق عمل يجمع بين مختصين بالتاريخ والعلوم الدينية والاجتماعية والنفسية وكُتّاب الدراما المحترفين لوضع خطط إنتاجية مستقبلية لأعمالها.
المؤكد انه لم تعد الدراما مادة ترفيهية، ولا شك أن تضافر الجهود المؤسسية سواء الثقافية والفنية والدينية أصبح أمراً ملحاً وهاماً ويعد واجب الوقت، لقد باتت الدراما حالة فكرية ووسيلة لنشر الثقافة وإعادة تحريض ذائقة المتلقى «القارئ- المشاهد- المستمع» لتشكيل ثقافة أخرى بعيدة عن عصر الاستهلاك الذى يبدو أنه بات سمة لعصرنا، وقد بدأت المتحدة بما قدمته من دراما بناء الوعى فى تحقيق ذلك.. فهل من آذان صاغية من شركات الإنتاج الأخرى؟!