ظاهرة تستحق البحث والدراسة.. والوقوف أمامها طويلاً.. ما الذى حدث.. ولماذا.. غابت الشهامة.. واختفى أولاد الأصول.. ولماذا هذه العدوانية والبلطجة فى سلوكيات الشباب.. وحتى الأطفال.. وما الأسباب التى أحدثت هذا التحول الجذرى فى سلوكياتنا.. وتحولت شهامة أولاد البلد إلى إدارة الظهور لما يرون.. وغض الطرف عما يشاهدون.. وصارت الأنا حالياً هى المسيطرة على أحداث الشارع.. وصار العنف.. والسنجة هى لغة التعامل فى كثير من المشاهد المؤذية التى تعج بها فيديوهات السوشيال ميديا مستغيثة بمن يوقف هذه المشاهد الغريبة على الشارع المصرى.. والبعيدة كل البعد عن سلوكيات شبابنا وأبنائنا.
تذكرت وأنا أشاهد فيديو الأطفال الثلاثة الذين سحلوا زميلهم الطفل وسحبوه من مدخل العمارة ينزف دماً إلى الشارع حتى الموت.. أطفال صغار فى عمر الزهور.. ما الذى ملأ قلوبهم بهذا العنف والغل والحقد لدرجة تمزيق صديقهم والتمثيل بجثته ليس لذنب جناه.. سوى أنه مهذب أنيق شاطر فى الفصل.
استدعت ذاكرتى على الفور وأنا أشاهد هذا الفيديو وأطالع قصته.. ذلك الطفل الصغير فى الزمن الجميل.. الذى كان يمر على قضيب سكة حديد أمام قريته فشاهد اعوجاج وإنحناء واضحاً فى خط السكة الحديد.. ماذا يفعل؟.. وكيف يخبر قائد القطار القادم من على بعد بخطورة ما يرى.. خلع قميصه.. وظل يلوح به وهو يقف فى منتصف قضيب السكة الحديد.. حتى شاهده السائق وأدرك فى التو أن هناك خطراً.. أراد الصغير أن يلفت نظره إليه.. وعندما وصل إلى موضع الطفل نزل من القطار فشاهد هذا الانحناء الشديد الذى كان يمكن أن يقلب القطار بركابه.. فاحتضن الصغير وحياه على شهامته وفكره وإصراره على لفت انتباه قائد القطار لهذا الخطر.
>>>
استدعت ذاكرتى هذه المقارنة السريعة بين طفل اليوم.. وطفل الأمس.. ما الذى حدث.. وما الذى غير سلوكيات أطفالنا.. ومر أمام عينى شريط العنف الدامى والمستمر على شاشات التلفاز فى كل المسلسلات التى أنتجها بعض تجار الدراما.. وقبل أن تسترد الشركة المتحدة مسيرة الإنتاج.. وتوجه المسار إلى بناء الوعى الوطنى.. والحفاظ على الهوية المصرية وقيم وتقاليد المجتمع المصرى.
>>>
استدعت ذاكرتى كل مسلسلات وأفلام الدخلاء على الفن الذين أفسدوا الإنتاج وجعلوا البلطجى وأبوسنجة وتاجر المخدرات وأصحاب السطو والقتل هم نجوم المجتمع.. وصار البلطجى الذى يسير عارى الصدر فى الحارة والشارع وهو يمسك بالسيف والسنجة ويقتل ويذبح ويروع الكبير والصغير.. هو عمدة الحى وهو الذى يملك أحدث السيارات ويسكن أفخم وأرقى القصور.. والكل يخشاه ويعمل له ألف حساب.. هذه الشخصية التى قدمتها الأعمال الفنية على مدار سنوات طويلة من التسعينيات وحتى 2014.. التى أنتجها دخلاء الفن.. وضربوا كل قيم المجتمع فى مقتل وعلا شأن البلطجى والراقصة وانتشرت أفلام ومسلسلات العنف والخلاعة والعرى.
>>>
إن ما يحدث من الصورة السلبية.. وإقدام بعض الشباب على فرض النفوذ والسيطرة واستخدام الأسلحة والسنج للانتقام من الآخر وترويع الآمنين.. هو ثمرة واقعية لكل مشاهد العنف والبلطجة التى جسدتها الأفلام والمسلسلات التى أنتجها الدخلاء على الإنتاج الفنى من تجار الدراما وغسيل الأموال وكانوا ضمن أجندة هدم الأوطان.. وضرب القيم الرصينة فى مقتل.
>>>
إن رسالة الفن رسالة سامية.. وأهدافها نبيلة.. ولم تكن رسالة الفن يوماً.. بلطجة وعنفاً.. وقتلاً وترويعاً.. وتغيير سلوكيات المجتمع إلى الأسوأ.