الحديث ما زال مستمرا حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع التى تنتهجها الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن .وفى الاسبوع الماضى تحدثت عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة. واليوم أتحدث عن دعم رواد الأعمال فى هذه الصناعات. وفى الواقع أن الدولة المصرية تولى هذا الأمر اهتماما بالغا ومتزايدا من خلال دعم رواد الأعمال بشكل لم يسبق له مثيل. ويرجع الفضل فى ذلك إلى رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذا الشأن التى يقوم بتنفيذها الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل. ومما لا شك فيه أن ريادة الأعمال فى قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) قد أصبحت محور اهتمام استراتيجى متزايد للحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة، إدراكًا منها لدورها المحورى فى تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، وخلق فرص عمل، وتعزيز الابتكار، وتنويع مصادر الدخل القومى. لقد تبلور هذا الاهتمام فى سلسلة من المبادرات والبرامج والإصلاحات التشريعية التى تهدف إلى توفير بيئة حاضنة ومحفزة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتغلب على التحديات التى تعترض سبيل نموهم وازدهارهم. فعلى صعيد التشريعات والسياسات، شهدت مصر إصدار قوانين ولوائح تنظيمية جديدة تهدف إلى تبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتخفيض التكاليف، مع التركيز بشكل خاص على تيسير تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة. من أبرز هذه التشريعات قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020، الذى جاء ليقدم حزمة متكاملة من الحوافز الضريبية وغير الضريبية، والتسهيلات الإجرائية، وآليات الدعم الفنى والمالى لهذه المشروعات. يهدف هذا القانون إلى تعريف وتصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة بوضوح، مما يسهل عليها الاستفادة من المزايا المخصصة لها، ويقلل من البيروقراطية التى كانت تعيق نموها فى السابق. كما تم التركيز على رقمنة الخدمات الحكومية المتعلقة بتأسيس الشركات وتراخيصها، مما يقلل من الوقت والجهد اللازمين لبدء الأعمال ويحد من الفساد.
وفيما يخص التمويل والدعم المالى، تولى الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بتذليل العقبات التمويلية التى تواجه رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. يلعب البنك المركزى المصرى دورًا رياديًا فى هذا الصدد من خلال مبادراته المتعددة التى تلزم البنوك بتخصيص نسبة معينة من محافظها الائتمانية لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة ميسرة. هذه المبادرات ساهمت بشكل كبير فى زيادة حجم التمويل المتاح لهذه المشروعات، وفتحت آفاقًا جديدة أمام العديد من رواد الأعمال للحصول على السيولة اللازمة لبدء وتوسيع أعمالهم. بالإضافة إلى ذلك تتواجد العديد من الصناديق والمؤسسات التمويلية المتخصصة مثل صندوق تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتى تقدم قروضًا ميسرة، وتمويلات جماعية، ومساهمات فى رأس المال، بالإضافة إلى خدمات الضمان الائتمانى للمشاريع الواعدة التى قد لا تتوفر لديها الضمانات الكافية للبنوك التقليدية. كما يتم التركيز على دعم الشركات الناشئة من خلال برامج تمويلية موجهة، وربطها بالمستثمرين الملائكيين وصناديق رأس المال المخاطر، مما يوفر لها الدعم المالى اللازم فى مراحلها الأولى الحرجة.
على صعيد تنمية المهارات والتدريب وبناء القدرات، تدرك مصر أن الدعم المالى وحده لا يكفى لنجاح ريادة الأعمال، بل يجب أن يقترن بتنمية قدرات رواد الأعمال وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لإدارة مشاريعهم بفعالية. لذلك تعمل العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية على توفير برامج تدريبية متخصصة فى مجالات الإدارة والتسويق والتخطيط المالى والابتكار وريادة الأعمال. يقدم جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر دورات تدريبية مكثفة وورش عمل متخصصة، بالإضافة إلى خدمات الإرشاد والتوجيه الفنى للمشروعات فى مختلف مراحلها. كما يتم التعاون مع الجامعات والمعاهد الأكاديمية لدمج مفاهيم ريادة الأعمال فى المناهج الدراسية، وإنشاء حاضنات ومسرعات الأعمال التى توفر لرواد الأعمال بيئة داعمة للنمو والتطور، وتقدم لهم مساحات عمل مشتركة، واستشارات متخصصة، وفرصًا للتواصل والتشبيك مع خبراء الصناعة والمستثمرين. هذه الحاضنات والمسرعات تلعب دورًا حيويًا فى تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع قابلة للحياة.
ولم يقتصر الاهتمام على الدعم الداخلى فحسب، بل امتد ليشمل تعزيز التنافسية والوصول إلى الأسواق، حيث تسعى مصر إلى مساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على المنافسة فى الأسواق المحلية والدولية. يتم ذلك من خلال دعم المشاركة فى المعارض والفعاليات التجارية، وتوفير معلومات عن الأسواق المستهدفة، والمساعدة فى بناء القدرات التصديرية. كما يتم العمل على تسهيل إجراءات التصدير والاستيراد وتقليل المعوقات اللوجستية التى تواجه هذه المشروعات. بالإضافة إلى ذلك تولى الدولة اهتمامًا بتشجيع الابتكار والتحول الرقمى فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إدراكًا منها لأهمية التكنولوجيا فى تعزيز كفاءة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات وتوسيع نطاق الوصول إلى العملاء. يتم تقديم الدعم الفنى والمالى للمشاريع التى تتبنى حلولًا تكنولوجية مبتكرة، وتشجيع الشراكات بين الشركات الناشئة التكنولوجية والمشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
وبالرغم من هذه الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات تواجه قطاع ريادة الأعمال والصناعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر، مثل صعوبة الحصول على التمويل الكافى لبعض المشاريع، وتحديات المنافسة فى الأسواق الكبيرة، والحاجة إلى المزيد من الكوادر المدربة، وتغيرات بيئة الأعمال بشكل مستمر. ومع ذلك فإن الالتزام الحكومى المستمر بدعم هذا القطاع، وتعاونه مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى، يبشر بمستقبل واعد لرواد الأعمال والصناعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر، ويسهم فى بناء اقتصاد أكثر تنوعًا ومرونة وقدرة على الصمود فى وجه التحديات العالمية. إن الاستثمار فى هذه المشروعات ليس مجرد دعم لاقتصاد البلاد، بل هو استثمار فى مستقبل الشباب المصرى وقدرته على الإبداع والإنتاج، وتحقيق طموحاته فى بناء غد أفضل.
وللحديث بقية