بدأت جموع المسلمين تشد الرحال لزيارة بيت الله الحرام والنبى الغالى وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج ومن رحمة الله أن جعله لمن استطاع.. إنه موسم عظيم فى شهر عظيم «ذى الحجة» تتنزل فيه الرحمات وتتضاعف فيه الحسنات وتفتح فيه أبواب السماء مستقبلة دعوات الصادقين الصالحين المستغفرين المؤمنين الحامدين الشاكرين الصابرين المنفقين.. موسم عظيم وشهر عظيم تتجلى أسرار الروح وتنفجر ينابيع الصفاء لترتفع بالمتقين إلى معارج العلا.
الحج شعيرة الإسلام الكبرى ومدرسته التربوية به تبنى النفوس ويرقى فى رحابه الوجدان وينقى به كل مقصر وطالح.. فيه تذوق حلاوة الطواف والمسعى والصلاة خلف المقام وفى عرفات تصعد القلوب قبل الأبدان وينتقل الحجيج بين التلبية والتكبير شكرا للعلى القدير أن ييسر لهم المسير.
الحج يغسل البدن بالماء والقلب بالصفاء والسريرة بالنقاء ويتجرد من ثياب الدنيا وزينتها ويلتحف بثياب أقرب إلى الكفن فجرد قلبه وبدنه وأقبل على ربه بقلب سليم لم يسكن فيه شىء من الدنيا بعد ما ترك المال والولد والسلطة ولبس ثياب الإحرام رمز النقاء والصفاء.. الحج مدرسة للتدريب على الانضباط والتحكم فى الشهوات ومنعها عن اللذات ومدرسة لتهذيب الطباع فى التعامل مع البشر وبقية الكائنات من الحشر والشجر والحجر فقد حرم الله على الحاج وهو محرم أن يقتل الحشرات أو صيد البر بالقتل أو الذبح ويحرم عليه قطع الأشجار وكل نابت فى الأرض وهذا يعد تموذجا فريداً لما تعارفت عليه البشرية حديثا وأسمته بالمحميات الطبيعية فالإسلام سبق فى ربط شعائره الكبرى بهذه القيم وتلك الغايات النبيلة منذ أكثر من 1400 عام.