جسر حضارى نابض بين مصر وأوروبا
فى قلب العاصمة الإيطالية روما، وعلى أرض ضاربة فى عمق التاريخ، تقف الأكاديمية المصرية للفنون شامخة كمنارة ثقافية وفنية تحمل عبق الحضارة المصرية إلى العالم..الأكاديمية التى تأسست عام 1929، تحتفل هذا العام بعامها السادس والتسعين، مسجلة بذلك مكانتها كواحدة من أعرق وأقدم الأكاديميات الفنية فى أوروبا والعالم.
لكن ما تعيشه الأكاديمية اليوم من حراك غير مسبوق وزخم ثقافى لافت لم يأت من فراغ، بل يقف خلفه قيادة واعية وملهمة، تجسدت فى شخصية الدكتورة رانيا يحيي، رئيسة الأكاديمية، التى أعادت بعزيمتها وروحها الحيوية، الحياة إلى هذا الصرح العربى النادر فى قلب أوروبا.
وسط أكاديميات دولية متعددة الجنسيات، تبرز الأكاديمية المصرية كالعنوان العربى الوحيد على الخريطة الثقافية والفنية الإيطالية، ما يمنحها مسئولية استثنائية فى تمثيل هوية وثقافة شعب بأكمله..ومنذ أن تولت الدكتورة رانيا يحيى إدارتها، شهدت الأكاديمية تحولاً جذريًا، عاد بها إلى موقعها الطبيعى كجسر حضارى نابض بين مصر وأوروبا.
فى بضعة أشهر فقط، نظمت الأكاديمية أكثر من 25 فعالية كبري، تنوعت بين عروض موسيقية، حفلات إنشاد، معارض تشكيلية، مؤتمرات فكرية، واحتفاليات سينمائية، كلها حملت توقيعًا مصريًا أصيلاً، وشاركت فيها كوكبة من الفنانين والمبدعين والمؤسسات الثقافية. وقد كان افتتاح الموسم الثقافى والفنى بالأكاديمية حدثًا بارزًا حضره السفير بسام راضى السفير المصرى بروما وممثلون عن السفارات الأجنبية، فى إشارة واضحة إلى تقدير المجتمع الدولى للدور الثقافى الذى تقوم به مصر عبر الأكاديمية.
ورغم قرارات ترشيد الإنفاق، لم توقف الصعوبات المالية مسيرة الإبداع ، فعلى سبيل المثال، نظمت الأكاديمية حفلًا ضخمًا لإحياء ذكرى مرور 155 عامًا على كتابة أوبرا عايدة، كما استقدمت ولأول مرة أوركسترا «النور والأمل» – فرقة الفتيات ذوات البصيرة المذهلة – دون أن تتحمل الدولة أية تكاليف، ما يعكس حجم التحدى الذى خاضته الدكتورة رانيا يحيى بفكرها الخلاق وشغفها الحقيقى بالثقافة.
شهدت الأكاديمية حفلات مميزة، منها حفل المنشد محمود التهامي، الذى تجاوز حاجز اللغة وتفاعل معه جمهور أجنبى كبير، كما أحيت الأكاديمية ذكرى المخرج العبقرى شادى عبد السلام من خلال عرض فيلمه الخالد «المومياء» وأقامت احتفالية خاصة بصلاح جاهين، إلى جانب فعالية مميزة عن نجيب محفوظ تضمنت معرضًا وندوة ومسابقات بالتعاون مع مدرسة المدرسة فى محافظة ميلانو .
لم تقتصر أنشطة الأكاديمية على العروض الفنية فقط، بل شملت أيضًا جوانب فكرية مهمة، كان أبرزها مؤتمر الملكية الفكرية، الذى حضره الدكتور هشام عزمي، رئيس المركز المصرى للملكية الفكرية.. كما أقيمت احتفالية ضخمة بمناسبة مرور 95 عامًا على تأسيس الأكاديمية، بالإضافة إلى تنظيم عدد من المعارض التشكيلية التى قدمت الفن المصرى بلغة عالمية.
النجاحات المتتالية لم تكن لتتحقق دون دعم دبلوماسى واعٍ ومهتم، فقد أبدى السفير بسام راضى السفير المصرى فى روما اهتمامًا واضحًا بأنشطة الأكاديمية، وكان حريصًا على حضور الفعاليات، ما يعكس التكامل بين الجهد الثقافى والدعم الرسمي.
الأكاديمية المصرية فى روما اليوم ليست مجرد مبنى ثقافي، بل هى صوت مصر فى الخارج، تعكس تراثها، وتصدّر فنها، وتدافع عن مكانتها الحضارية.. وكل ذلك يعود إلى قيادة الدكتورة رانيا يحيي، التى استطاعت، بإرادة امرأة مصرية أصيلة، أن تعيد البريق إلى هذا الكيان العريق، وأن تحوّله من مؤسسة تقليدية إلى مركز نابض بالحياة، يكتب سطورًا جديدة فى سجل الحضور الثقافى المصرى عالميًا.
ومع كل فعالية وكل إنجاز، تؤكد الأكاديمية أنها ليست مجرد ماضٍ مجيد، بل حاضر متوهج ومستقبل واعد… باسم مصر.