هل اصبحت العلاقات بين الآباء والابناء، وأيضا الأحفاد، صعبة ومختلفة تماما عن الماضي؟
وهل أصبح رصيدنا القديم من القيم والمباديء مهددا بالنفاد الآن؟ وهل يمثل هذا خطرا حقيقيا على الاسرة المصرية؟
أربعة مسلسلات قدمتها الدراما التليفزيونية هذا العام فى مهرجان الدراما الرمضانى السنوى حول هذه القضية، هى (أمبراطورية ميم)، و(كامل العدد –١)، و(عتبات البهجة)، و(بابا جه)، غير مسلسلات أخرى تناولت هذه القضية ضمن ما قدمته من قضايا مثل (مسار اجباري) و(سر الهي) و(أعلى نسبة مشاهدة) وغيرها، فالمتغيرات فى العلاقة بين الاجيال أمر شديد الوضوح فى حياتنا الآن وأسبابه قد لا نعرفها كلها، ولكن اغلبنا يعرف تأثيرات السوشيال ميديا الكبيرة علينا، وجاذبيتها الكبيرة التى سحبت الملايين للاندفاع اليها، ومن هنا انتبه صناع هذه المسلسلات اليها، وقدموا لنا وجهات نظر مختلفة، ومهمة من خلال افكار وأحلام، وسلوك، وايضا ردود الأفعال، وهو اجتهاد كبير من صناع هذه الاعمال فى التفاعل مع قضايا اجتماعية تصيب الاغلبية، بتعدد طبقاتها، وتحتاج الى رؤى إنسانية مقنعة للتعامل مع عقول وقلوب ملايين المشاهدين من كافة الأعمار.
»من انت« ومن هم
تطرح علينا هذه المسلسلات اولا هوية أبطالها، والملامح الاهم فى حياتهم كما رأينا فى الإمبراطورية فالبطل خالد النبوى (أب يتولى مسئولية ستة ابناء وبنات بعد وفاة الام ، ويعمل فى شركته وهو ما يجعله مشغولا عنهم احيانا) اما فى (كامل العدد) فنحن أمام أم وأب (دينا الشربينى وشريف سلامة) وستة أبناء أصغر وسلوكيات مدهشة لا تنقطع منهم، أما فى (بابا جه) فنحن امام أب (اكرم حسني) فقد وظيفته بسبب تداعيات كورونا فبدأ الاهتمام بصغاره، والذين لم يتقبلوا أسلوبه فى الاهتمام بهم، وتختلف الصورة مع الجد يحيى الفخرانى فى (عتبات البهجة) حين يكتشف ان احفاده الذين يتولاهم بعد وفاة الاب والام يتجاهلونه، بل ويهربون منه، لتصبح القضية هى المواجهة بين اجيال تعيش معا فى بيت واحد وكأن كل فرد يعيش فى عالم مستقل، اما فى (مسار اجباري) فنحن امام أشقاء لم يعرفوا انهم من عائلة واحدة إلا بعد موت الاب، وكذلك الامر لدى اخوة وأخوات مسلسل (يد إلهية) وهو ما يصل بهم الى بيع أختهم الكبري، والتى تنفق عليهم من عملها الشاق، لتدخل السجن بدلا شاب عابث، اما فى (اعلى نسبة مشاهدة) فنحن امام شقيقتين تتنافسان على الحصول على المال من عمل فيديوهات تسئ الى الاب والام الشديدى الفقر لنصل فى النهاية الى قضية حقيقية نعيشها عن تلك الفروق بين افراد الاسرة الواحدة، وتلك الاختلافات بين ابناء نفس البيت والتى صنعت حواجز بين الكبار والأصغر، حواجز غير مرئية ولكنها قوية وقادرة على تغيير حياة الجميع الى ماهو اسوأ.
نحن من يذهب اليهم
من جهة اخري، تختلف المعالجات والرؤى التى قدمها لنا صناع هذه المسلسلات، ومع اختلافها تطرح علينا كل درجات التوافق التى تعيشها كل اسرة منها وايضاً درجات عدم التوافق، أو الاختلاف، ومع تتابع السيناريو واختلاف البناء الدرامى لكل عمل وفقا لرؤية الكاتب، (وثقافته المجتمعية) مع رؤية المخرج فإن بعض هذه الأعمال تصل فى نهايتها الى التوافق المطلوب فكريا والذى يقنعنا كمشاهدين بأنه الأسلوب الصحيح للتفاعل مع الابناء والأحفاد وهو ما رأيناه عبر ألعديد. من هذه الأعمال، من (بابا جه) للكاتب وائل حمدى والمخرج خالد مرعى والذى يصل بطله الى إدراك أهميته كأب واهمية دوره فى الحفاظ على الاسرة ودعمها مهما واجه من أزمات، اما فى (امبراطورية ميم) للكاتب محمد سليمان عبد المالك والمخرج محمد سلامة فقد استطاع الاب (مختار) اخيرا ان يستعيد كامل اهتمام أولاده وبناته ومحبتهم بعد مشكلات هددت هذا التكاتف لانشغاله عنهم، وبمحاولة ابنه الأكبر مروان (نور النبوي) اللعب فى هذه المنطقة باقتراح عمل انتخابات لاختيار (مدير الاسرة) وإلحاحه على اخوته وهو ما دفعهم لانتخابه ليكتشفوا بعدها انهم أخطأوا، وان (مختار) هو الاب والسند وليس (مروان )، وهو ما جعلهم جميعا معا متكاتفين داخل المنزل ولوريات الشركة العقارية التى تريد طردهم بالقوة لتبنى كومباوند جديد، تزمجر ويطالبهم المهندس بالخروج وترك المنزل، ،مشهد تاريخى يعيد تذكيرنا بنهاية مسلسل آخر مهم لأسامة انور عكاشة ومحمد فاضل فى التسعينات هو (الراية البيضاء) وحيث يجلس ابطال العمل فى الشارع حتى لا يهدم فريق المعلمة (فضة المعداوي) بيت الدكتور محمد ابو الغار، هنا ينتهي هذا العمل والاب والاسرة كلها معا داخل البيت فى مواجهة رياح الغدر وفريق هدم البيت، واخيرا، يقدم لنامسلسل (عتبات البهجة) رؤية للكاتب مدحت العدل المشرف على فريق للكتابة والمخرج مجدى ابو عميرة، يقدمان رؤية للجد وليس الاب، فالجد بهجت الأنصارى (يحيى الفخراني) هو كبير الاسرة وراعى الحفيد والحفيدة اللذين وصلا لأعتاب مرحلة الشباب، بعد موت أبويهما، والذى يهتم إنسانيا بالمجتمع حوله، من الجيران للشارع للأصدقاء، ومن هنا يقلق وهو يلاحظ ابتعاد حفيده، وحفيدته عنه، وقصرهما العلاقة العائلية على الحد الادني، ويتزايد القلق حين يرى ما يزعجه فى سلوك المحيطين به فيقبل الإشراف على (سنتر) للدروس الخصوصية مملوك لمدرس جشع من جيرانه قرر هجره بحثا عن أموال اكثر من مشروع آخر، وهو ما يغضب زوجة المدرس، المدرسة، فتطلب من (الاستاذ بهجت) الإشراف عليه وفى السنتر، يعيد اكتشاف امثال احفاده من القادمين للدروس الخصوصية، ويقيم علاقة مختلفة معهم فيثير دهشتهم، ويثيرون بالمثل اهتمامه، وفى البيت يقرر. ان يعبر عن رأيه فى هذا الجيل الجديد من خلال رسالة يومية موجهة لهم عبر صفحة خصصها لافكاره حولهم، وهو ما يدفعه لفهم موقف صعب لحفيده الذى تورط مع شركة إلكترونيات عابرة للحدود والدفاع عنه، ،هنا تؤكد لنا الدراما بوضوح ان الاجيال الأكبر عليها ان تقوم بدور مهم للتفاعل مع الأصغر حتى لا ينتهى بها الأمر للخصام مع الابناء والأحفاد، ،وخسارة تكاتف الاسرة، ومحبتها فى رسالة شديدة الاهمية لنا جميعا.