فى ظل أحداث متسارعة تجرى فى المنطقة وأهداف خبيثة غير واضحة قد «تتوه» الحقائق وتتم السيطرة على عقول البعض بشعارات رنانة، لذلك تزداد أهمية الوعى التى نادى بها الرئيس السيسى منذ البداية، فكان الوعى أساس فى بناء الجمهورية الجديدة فعندما يشعر المواطن بما يدور حوله، ويتلقى المعرفة بعقل واعِ، فإنه يتحرى كل ما يرد إليه من معلومات ومعارف فيميز الغث من الثمين، ويستطيع مواجهة مصادر الوعى المزيف ويقلل من فعاليتها، بل ويتفوق على أهدافها الخبيثة، كما يصطف اصطفافًا راسخا خلف وطنه ويزود عنه بكل ما أوتى من قوة.
فبالوعى يدرك المواطن ما يدور حوله من أحداث جارية، ويفهم تاريخه وجغرافيته، ويتمسك بهويته وثقافته، وبقيم مجتمعه النبيلة.. وبذلك يتمكن من معالجة ما يتعرض له من مواقف أو قضايا بحكمة بالغة وتفكير سديد وموضوعية متزنة عندئذ تفشل كل محاولات التضليل أو التجهيل.. ويدرك المواطن خطورة أصحاب الأجندات المأجورة وما يقدمونه عبر أبواقهم من نشر ممنهج لمفاهيم مغلوطة تستهدف الحض على العنف والخروج عن سياق الدولة وكيانها وهذا بالطبع يكون بداية لمرحلة تنحرف فيها الأفكار ويتوالد منها شياطين الإرهاب بمختلف تنوعاته الظلامية، فلا يقتصر على استخدام القوة، وإنما يهدف إلى اختراق العقول لمحاولة خلخلة وحدة الأمة المصرية وخلق فوضى والتأثير على ضعاف النفوس، ومن هنا تأتى أهمية بناء الوعى الصحيح فى جميع المجالات لكى نواجه الزيف المتعمد، عبر ما يعرف بحروب الجيل الرابع.
وما حدث بين إيران وإسرائيل خير دليل على ذلك فالعوام على «السوشيال ميديا» يسهل انقيادهم وراء الشعارات التعبوية، وفائض التجارة العاطفية الرخيصة بالقضايا الكبري، فطبيعة الجماهير أنها تفكر وتنفعل بقلوبها، ويغيب العقل دائمًا عن مقاربتها للحوادث واستبصار مآلاتها، وتلعب التقنية الحديثة دورًا فى إثراء فكرة القطيع، وتعزيز آليات الحشد والتوجيه بالرسائل الملونة، ولكن أصحاب الوعى والفهم الصحيح فإنهم يقرأون السياق بمنطق مختلف.
فالمشهد الذى أخرجته واشنطن قبل بضعة أيام خرج الجميع منه رابحون، وكانت آثاره العملية أقل مما أحاطه من هالة إعلامية ودعائية، فقد أطلقت إيران 186 طائرة مُسيّرة و34 صاروخًا مُجنحًا و110 صواريخ باليستية، بحسب الحصيلة المعلنة، وصلت منها 5 قذائف فقط، بأضرارٍ محدودة للغاية فى ممر طيرانٍ بإحدى القواعد الجوية، وبدون خسائر بشرية أو مادية تقريبا وأعلنت تل أبيب إنها تصدَّت لنحو 90٪ منها خارج مجالها الجوي، وتكفلت المساندة الأمريكية البريطانية الفرنسية بالنسبة الباقية، وهكذا شعر الإيرانيون بالفخر، وتولد لدى الصهاينة الاحساس بالقوة والمنعة، وأكد الأمريكيون قدرتهم التفاوضية بترسيم حدود الضربة، بإفسادها وتفريغها من المضمون.
وعلى عكس مايرى البعض فأن أكثر الرابحين إزاء ما حدث هو نتنياهو، فلقد امتص ضربة دعائية، والأهم بالنسبة له فقد أعاد تنشيط التعاطف والدعم الغربى له بعدما خسره خلال الفترة الماضية وقلل موجة الغضب المندلعة فى شوارع اوروبا وحتى إسرائيل على إثر الإخفاق العسكرى بالقطاع.