قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة موسكو بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين للمشاركة فى العيد الثمانين للاحتفال بالنصر على النازية وهذه الدعوة وجهها الرئيس بوتين لـ29 من كبار زعماء العالم وأصدقاء روسيا باعتبار أن الاحتفال بالنصر على النازية هو من أقدس وأهم الأعياد لروسيا والاتحاد السوفيتى السابق الذى قدم 20 مليون قتيل خلال كفاحه فى الحرب العالمية الثانية وهى أكبر تضحية قدمها الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور وجدير بالذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر شارك سنة 1958 فى هذه المناسبة بدعوة من خروتوشوف رئيس الاتحاد السوفيتى آنذاك وكانت بداية لعلاقة مميزة ومتجذرة استمرت إلى يومنا هذا ونستعرض فى عجالة تاريخ العلاقات المصرية الروسية و التى بدأت بعلاقات قنصلية فى القرن الثامن عشر ببعثة قنصلية روسية فى الإسكندرية واستمرت العلاقات القنصلية بين البلدين إلى أن تم الاعتراف بالدولة الروسية فى سبتمبر 1943 وارسلت مصر أول سفير لها فى موسكو البندارى باشا الذى كان يلقب بالباشا الأحمر وذلك وفى عهد الملك فاروق الأول واستمرت هذه العلاقة العادية إلى أن قامت ثورة يوليو وقام الرئيس عبدالناصر بكسر الاحتكار الغربى على تسليح مصر وأبرم سنة 1955 صفقة السلاح التشيكى للجيش المصرى بعد رفض الولايات المتحدة وبريطانيا تسليح مصر بعد العدوان الإسرائيلى على غزة فى نفس العام.
ومرة أخرى وقفت روسيا موقفًا تاريخيًا لا ينساه الشعب المصرى وهو التمويل والمشاركة الفنية فى بناء السد العالى بعد أن رفض الغرب تمويل السد بدعوى ضعف الاقتصاد المصرى وبنى السد فى عشر سنوات بسواعد مصرية وخبرة روسية ليبقى شامخًا حتى الآن ليحمى مصر من شح المياه والفقر المائى ومن آثار أى فيضان ولا ينسى أيضا شعبنا العظيم وذاكرة التاريخ الوطنى أن قواتنا المسلحة الباسلة حاربت سنة 1973 بسلاح روسى وانتصرت على إسرائيل واستعادت أرضها الغالية وكرامتها الوطنية.
وبعد اتفاقية السلام وابان حكم الرئيس أنور السادات مرت العلاقات الروسية المصرية بفترات فتور واستمر هذا الوضع لفترة طويلة إلى أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم وأدرك بحسه السياسى الاهمية الاستراتيجية لروسيا وضرورة تحقيق توازن فى علاقتنا الدولية وبدأ الاتجاه شرقًا فى توثيق علاقاته بروسيا الاتحادية التى زارها كوزير للدفاع سنة 2013 فضلا عن زياراته المتكررة إلى دول آسيا وعلى رأسها الصين فى ضوء الصعود المستمر للقوى الآسيوية على الساحة الدولية.
واعتذر للقارئ عن هذه المقدمة التاريخية الطويلة ولكنها ضرورية لتبرز أن العلاقات المصرية ــ الروسية لم تكن وليدة الأمس أو بناء على مصلحة أو منفعة لحظية بل كانت ضاربة بجذورها فى التاريخ لأمتين لهما تاريخ وماض عريق وميراث ثقافى له وزنه على الصعيد الإنسانى والتاريخى والثقافى.
تشهد حاليا العلاقات المصرية الروسية تطورًا بالغ الاهمية على كافة الاصعدة اهمها مفاعل الضبعة هذا المشروع الضخم الذى يتكلف 25 مليار دولار بتمويل روسى على شكل قرض ميسر طويل الاجل يمتد على عشرين عامًا وهذا المشروع يدخل مصر النادى النووى للاستخدمات السلمية للطاقة ويوفر لمصر طاقة كهربائية هائلة تساعد فى بناء قاعدتها الصناعية النامية وتقوم بتنفيذه شركة (روس آتوم) المتخصصة فى مجال الطاقة النووية.. كذلك مشروع المنطقة الصناعية الروسية فى شرق بورسعيد الذى من المنتظر أن يوفر 35 ألف فرصة عمل فى منطقة القناة ويدعم من التواجد الاقتصادى الروسى فى مصر حيث تتواجد بالفعل 467 شركة روسية تعمل فى مصر بمجال الطاقة والطاقة المتجددة.
أما عن المجال التجارى فإن مصر تعتبر الشريك التجارى الأول لروسيا فى المنطقة العربية والإفريقية حيث يبلغ الميزان التجارى أربعة فاصل سبعة مليارات دولار حيث تأتى غالبية الوارادت المصرية من الحبوب والزيوت من روسيا التى تعتبر من أكبر منتجى الحبوب فى العالم.
أما على الصعيد السياسى فمنذ أن قام الرئيس السيسى بترفيع العلاقات الثنائية إلى المستوى الإستراتيجى سنة 2018 واستمر التشاور الروسى المصرى فى كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك حيث تتشابه فيها وجهات النظر وعلى رأسها قضية غزة التى تؤيد فيها روسيا الورقة المصرية لإعادة إعمار غزة والايقاف الفورى لاطلاق النار وادخال المساعدات الإنسانية بدون قيد أو شرط إلى القطاع كذلك تتوافق الرؤى المصرية والروسية على سبل الحل فى فى الملف الليبى على أساس ضرورة و حدة ليبيا وسلامة أراضيها ويتأتى ذلك عبر نزع سلاح الميليشيات والقوات الأجنبية من ليبيا واقامة انتخابات رئاسية ونيابية متزامنة تنتج كيانًا شرعيًا يوحد ليبيا ويحفظ سلامة أراضيها.
كذلك تتوافق آراء صانع السياسة الخارجية والإستراتيجية فى الدولتين فى ملفات حيوية تؤثر فى الاستقرار والأمن الإقليمى فى منطقة القرن الإفريقى والسودان وسلامة الملاحة فى الممرات البحرية الدولية مثل باب المندب والخليج العربى.. كذلك تراقب الدولتان تطورات الأحداث فى سوريا باعتبار أن لمصر وروسيا علاقات تاريخية مع الدولة السورية منذ استقلال سوريا سنة 1946 وتتفق على ضرورة وحدة سوريا وسلامة أراضيها من الاطماع الإقليمية لدول جوارها الجغرافى.
ولا ننسى أن نسجل بجزيل الشكر والتقدير لروسيا دورها الايجابى فى قبول عضويتنا فى مجموعة البريكس هذا المارد الاقتصادى الذى سيكون له سهم وافر فى تطور التجارة الدولية والخروج عن سيطرة العملات والاقتصادات الغربية على مقدرات التجارة الدولية.
وتقديرًا لدور مصر الرائد فى المنطقة العربية فإن الرئيس بوتين وجه الدعوة إلى الرئيس السيسى للمشاركة فى القمة العربية الروسية التى ستعقد أكتوبر المقبل أما بالنسبة للتعاون الثقافى فإن جيل الستينيات والسبعينيات قد تأثر بالأدب الروسى والموسيقى وبالأخص فى الباليه حيث تأسست فرقة الباليه للأوبرا المصرية على يد مصريين درسوا فى الاتحاد السوفيتى أو مدربين روس وعلى رأسهم على سبيل المثال دكتور عبدالمنعم كامل راقص الباليه المصرى الشهير ورئيس دار الأوبرا فيما بعد والباليرينا دكتورة ماجدة صالح وغيرهما ممن درسوا فى روسيا وساهموا فى نهضة وتطور فن الباليه والموسيقى الكلاسيكية فى مصر.
17 ألف طالب
ونود أن ننوه أيضا أن هناك سبعة عشر ألف طالب مصرى يدرسون فى الجامعات الروسية وفى المقابل يوجد ألف روسى من جمهورية داغستان وترتاستان يدرسون فى الأزهر بمنحة يوفرها الأزهر لبعضهم باعتبار أن الأزهر يوفر الاستنارة والاعتدال ويعتبر قبلة للوسطية فى العالم الإسلامى.
أود أن أؤكد أن علاقات مصر ــ روسيا ذات أسس راسخة ومتعددة الأوجه ليست قائمة فقط على المصلحة المشتركة فى مجالات محددة بل علاقات بنيت ونسجت على مر التاريخ بين شعبى البلدين وأدلل على ذلك بأن أربعين فى المائة من السياحة الوافدة إلى منطقة البحر الأحمر هى سياحة روسية ويقيمون فترة طويلة كدليل لحبهم لأرض الكنانة مصر واعتبر أن السياحة هى الجسر الطبيعى للالتقاء بين الشعوب.