فى اعتقادى أن العالم لم يتابع فى مؤتمر القمة العربى الرابع والثلاثين والذى عقد مؤخراً فى العراق سوى كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وأيضاً من وجهه نظرى كلمة السيد رئيس وزراء إسبانيا والذى تقف بلاده موقفاً نبيلاً تجاه الشعب الفلسطينى وتطالب المجتمع الدولى باتخاذ موقفاً موحداً تجاه حرب الإبادة التى تقوم بها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى الأعزل.. وأعتقد أن كلمته لم تأخذ حظها من الاهتمام إلا من قِبل الحكومة الإسرائيلية التى سارعت بالاعتراض على كلمته واتهامه بتأييد الإرهاب كما لو كان الشعب الفلسطينى جميعه من الإرهابيين.
يأتى هذا فى الوقت الذى لم يشارك فيه من قادة الدول العربية سوى خمس فقط على رأسهم السيد الرئيس أما باقى الوفود فلم يرتق تمثيلها إلى أهمية وخطورة التحديات التى تواجه المنطقة العربية والتى يمكن أن تكون تحديات وجودية تؤثر على الأمن القومى العربى ككل فضلاً عن تأثيرها على أمن واستقرار الشرق الأوسط وتطرح تداعياتها وآثارها السلبية على العالم ككل ومن مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية.
تناولت جميع وسائل الإعلام كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بالشرح والتحليل وجميعها وقفت عند أهم عبارة وردت فى كلمة الرئيس والتى جاء فيها «أنه حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية فإن السلام فى الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية».. ومما لا شك فيه أن تلك الكلمة جاءت فى وقتها تماماً لأن السيد الرئيس يدرك أن مسلسل التهجير يتم الإعداد له بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وللأسف بعض الدول وأن هناك شبه اتفاق على أن تكون ليبيا وسوريا هما الدولتان المرشحتان بالدرجة الأولى فى استقبال ما لا يقل عن 2 مليون فلسطينى واشتعال الحرب الأهلية حالياً فى ليبيا تمثل تمهيداً لتنفيذ هذا المخطط وأن هناك دولاً سوف تتحمل أعباء هذه الصفقة وبالتالى تنتهى القضية الفلسطينية وتستولى إسرائيل على أراضيها وتقوم أمريكا بتنفيذ رؤيتها فى إستغلال تلك الأراضى بمشروعات سياحية واستثمارية وسط صمت عالمى رهيب.
كما كان السيد الرئيس على يقين أن ما يقال إن هناك خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ما هو إلا محاولات تصدير صورة للدول العربية تحديداً أن أمريكا ليست راضية عما تقوم به إسرائيل تجاه المدنيين من الشعب الفلسطينى من قتل وتدمير وتجويع حيث إن تسريب الحديث عن تلك الخلافات يأتى لمصلحة ترامب ونتنياهو معاً وأعتقد أن هذا السيناريو متفق عليه بين الدولتين وإنه لا خلاف بينهما لأن أمريكا هى الحليف القوى والداعم لإسرائيل وهى التى تمدها بجميع احتياجاتها من المال والسلاح والمعدات والمعلومات الاستخباراتية كما أنها تقوم بتعويضها على الفور بكل ما تحتاج إليه فى حربها على غزة أو فى اليمن ولبنان كما أن إسرائيل أصبحت حالياً تمثل إحدى أدوات الرئيس ترامب لاستغلال الأراضى الفلسطينية فى مشروعاته الاقتصادية وأنه لو كان يريد حقاً منع هذه الحرب من بدايتها لفعل ولكنه يريد تحقيق مصالحه الجديدة فى المنطقة العربية بصفة عامة وفى غزة والضفة الغربية بصفة خاصة.
ومن هنا بدأ السيد الرئيس فى إلقاء كلمته التى عبرت عن الموقف المصرى القوى والواضح والرافض لتصفيه القضية الفلسطينية مهما كانت المبررات والمغريات حيث أكد الرئيس على ثلاثية تلك القضية المتمثلة فى وقف الحرب وفتح المعابر ورفض التهجير.. تحدث الرئيس بلغة قاطعة وصريحة وواثقة من أن هناك تحركات مرصودة مشبوهة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومع ذلك لن يحدث أى سلام طالما لم تجد تلك القضية حلاً عادلاً لها حتى ولو قامت جميع الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل بل إن الرئيس اسمع الرئيس الأمريكى ما لم يسمعه من قبل حين طالبه السيد الرئيس برعاية عملية سلام جادة للتوصل إلى تسوية نهائية وسلام دائم بالشرق الأوسط مشدداً على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف فى المنطقة.. لم تكن كلمات الرئيس مجرد ألفاظ ينطق بها أمام القمة ولكنها كانت أسساً ومبادئ الدولة المصرية وقياداتها عبر تاريخها النضالى الشريف تجاه تلك القضية.. لقد وضع الرئيس الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية فى هذه المرحلة المفصلية وألزم الحضور بإصدار إعلان يقضى بضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار على الشعب الفلسطينى الأعزل وحث المجتمع الدولى خاصة الدول المؤثرة على تحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية لوقف إراقة الدماء وتقديم الدعم اللازم تجاه تلك القضية.
لم تقف رؤية السيد الرئيس وحكمته وتوصياته للمجتمع العربى والدولى على القضية الفلسطينية فقط بل إنه تناول ما تتعرض له لبنان والسودان وليبيا واليمن بل تطرق الى ما يحدث فى الصومال أيضاً وطالب بالاهتمام لما يتعرض له من محاولات النيل من سيادته وضرورة دعمه للحفاظ على أمنه واستقراره.
هكذا جسد السيد الرئيس موقف ورؤية مصر فيما تتعرض له الأمة العربية مؤكداً أنها تقف مع الحق بكل شرف وأمانة وإنها دائماً تمثل صوت الحق والرشد والإرادة على مدى التاريخ والعصور.