غريب أن تثير السينما المصرية هذا الأسبوع كل هذا الجدل داخل مصر، وخارجها، أما فى الداخل فقد جاء الاحتفال بعيد ميلاد الفنان الكبير عادل إمام كما لو كان إعادة اكتشاف له ولما قدمه للسينما المصرية على مدى نصف قرن أو أكثر، إنه فنان الشعب بكل مواصفاته، وليس فقط «الزعيم» كما يلقبه البعض، لأنه أكثر فنان قدم أفلاما تعبر عن كل القضايا التى يعيشها المواطن المصري، من السياسة للعلاقات الاجتماعية، ومن الرضاء إلى الغضب، ومن رفض البيروقراطية إلى رفض الإرهاب كما رأينا فى أفلامه، خاصة فى الثمانينات مثل «الأڤوكاتو» و«حتى لا يطير الدخان» و«كراكون فى الشارع» وغيرها، اما التسعينات فقد قدم لنا فيها «اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«الإرهابى» و«طيور الظلام»، وبعدها، فى بداية الألفية الجديدة قدم الكثير أيضًا بداية من «التجربة الدنماركية» و«السفارة فى العمارة» إلى «حسن ومرقس» و«زهايمر»،ومن الجدير بالذكر أن بدايته كانت فى المسرح وليس السينما، ومع فؤاد المهندس الفنان الكبير، «وقبلها مثل مع فريق مسرح كلية الزراعة التى كان طالبا بها»، أما الدراما التليفزيونية. فقد بدأها عام 1968 ليتوقف عنها عام 1980 بعد مسلسله الهام «دموع فى. عيون وقحة»، وبعد أكثر من ثلاثة عقود يعود للدراما التليفزيونية من جديد عام 2021 بمسلسل «فرقة ناجى عطالله»، ويقدم بعده عملا كل سنة حتى 2020 مع «ڤلانتينو» آخر مسلسلاته الذى يعرض الآن على أحد القنوات، وقد قدم أيضًا مسلسلات إذاعية قليلة، كما ذهب مع فرقته إلى أسيوط حين هجم الإرهابيون على مسرح تابع للدولة هناك فى حقبة السبعينات، ليقدم عروضا ويؤكد على قيمة الفن وأهميته فى الحياة، وهى حادثة نادرة ومعبرة عن محبته للفن وللجمهور معا، ورفضه هذا الهجوم الغادر على مسرحيين مصريين يقدمون هذا الفن .. إنه واحد من أساطير الفن المصرى مثل سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب وفؤاد المهندس وفاتن حمامة وغيرهم .
وإبداع مصرى فى باريس
فاز الجناح المصرى بجائزة أفضل جناح فى مهرجان كان السينمائى الدولى المقام الآن، فى دورته رقم 78، المهرجان به 150 جناحا، ولكن المصرى كان الأفضل، والأكثر تعبيرا عن السينما والفن المصري، وهو بالطبع ما أدركته مصممة الديكورات اللامعة «شيرين الغرابلى» التى قامت بتصميمه، فحصل على التقدير، والجائزة، أما الجديد أيضًا فى هذه المشاركة المصرية فهو اتفاق مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الجونة السينمائي، ولجنة الأفلام بمدينة الإنتاج الإعلامى على العمل معا لدعم مصر فى أكبر محافل السينما العالمية، وهو دعم يعنى تقديم كل المعلومات عن تاريخ السينما المصرية، وحاضرها، وتأثيرها فى محيطها العربي، وأهمية مصر كبلد متنوع فى تصوير الأفلام الأجنبية فيها، فهل حصل الجناح على المركز الأول لبراعة مصممته؟ أم بسبب تعاون المشاركين فيه لأجل صورة واسم مصر ؟سؤال ضرورى خاصة أنه يطرح موضوعات قتلت بحثا على مدى عقود مثل اختلاف المستوى السينمائى من عام لآخر فى مصر، ومثل صعوبة التصوير بسبب تعقيدات الروتين التى لا يحتملها صناع الأفلام الأجانب فيهربون إلى بلاد أخري، عربية غالبا، استطاعت جذبهم، «وهو ما فعلته لجنة الأفلام حديثا فى مصر مع الأفلام الاجنبية، بينما ظلت الأفلام المصرية فى واد آخر» المهم أن الجناح المصرى استطاع أن يؤكد على تاريخ وعراقة السينما المصرية فى المهرجان الأكبر الذى أضيفت إليه هذا العام أجنحة جديدة منها جناحان عربيان هما الجناح المغربي، والجناح السعودى .
فاطمة والسينما المحبوسة
هل زاد إقبال الجماهير على السينما فى العالم أم قل؟
الإجابة محزنة وفقا لموقع «سينما توجراف» وهى أن عدد التذاكر المباعة فى العالم انخفضت بنسبة 8.8 % فى العام الماضي، وهو التراجع الأول بعد أزمة الكورونا عام 2021، وأن عدد التذاكر عام 2024أقل بمقدار 500 مليون تذكرة مقارنة بعام 2023 وفقا للمرصد الأوروبى للوسائط السمعية والبصرية، ومعلومات أخرى تؤكد أنه مرهون أيضًا بعدد دور السينما فى كل بلد، فماذا عنا هنا فى مصر ؟ وماذا عن دور العرض السينمائى المصرية التى أغلق أو هدم الكثير منها فى العقد الأخير؟ وإذا كانت مهرجانات السينما فى العالم تناقش كل ما يخص هذه الصناعة وجمهورها، حتى السينما والذكاء الاصطناعى نوقش فى المهرجان، فمتى نناقش قضايانا السينمائية هنا ؟ وأهمية مناقشة قضايا السينما هنا تأتى من ارتباطها بقضايا الواقع، وهو ما عبرت عنه ندوة عن السينما الفلسطينية فى المهرجان يوم الأحد الماضى وفيها حددت المخرجة «مى عودة» قضايا صناع السينما الفلسطينيين بوضوح شديد «عندما تصنع سينما تحتاج للحرية، وهى مالا تتوفر لدينا فى فلسطين» وتشرح بوضوح أكثر «إذا أردت تصوير فيلم لا أستطيع لأننى لا أستطيع الحركة، ومحبوسة فى منطقة لا يمكننى التحرك بحرية لأننا تحت احتلال يرغب فى تهميشنا، وتفريقنا لتدمير هويتنا، بل إننى لا يمكننى رؤية أحد من غزة إلا خارجها وخارج فلسطين وهو ما لا يساعدنا لأننا نحتاج للتواصل مع كافة المناطق الفلسطينية، وهذا ما أحبه فينا كفلسطينيين، نفكر خارج الصندوق، ونخاطر لتصوير أفلامنا دون أن يخبرنا أحد بما هو مسموح أو مرفوض» بالتفكير خارج الصندوق، والتحايل لأجل تصوير بلدهم، فعل السينمائيون الفلسطينيون الكثير، بداية من أجيالهم الأولى ومنهم المخرج رشيد مشهراوى أحد الذين ابتكروا طرقاً لصنع أفلامهم بالتحايل على قيود الاحتلال بينما ابتكرت الأجيال الجديدة أشكالاً جديدة للسينما. لتقدم أفلاما أكثر تنوعا من الكوميديا السوداء للدراما بأنواعها، وهو ما وصفته مى عودة بأن صناع الأفلام هم وزارة الدفاع عن غزة الآن «مسئوليتنا عرض صورة ما يحدث فى غزة حاليا، وهو ما تؤكده قصة المصورة والكاتبة «فاطمة حسونة» التى استطاعت على مدى سنوات أن تكون صاحبة الصورة عما يحدث فى غزة، وبعد 7 أكتوبر. أخذت صورها، وقصصها عن غزة أثناء العدوان أهمية أكبر فى العالم مما دفع مخرجة فرنسية لتقديم فيلم وثائقى عنها، وحين اختير الفيلم ليعرض فى هذا المهرجان، انقض جيش الاحتلال على بيتها ليقتلها هى وكل أسرتها، وهو ما دفع رئيسة لجنة تحكيم المهرجان للحديث عنها فى الافتتاح الرسمى وكان ضمن اسباب بيان اصدره 350 نجما من ضيوف المهرجان يطالب بوقف العدوان على غزة، نعم، السينما تفعل الكثير إذا ما خلصت نوايا صناعها، وإذا ما حصلوا على الحرية الضرورية للإبداع.