ما الذى يجري، وما سر الضغوط الأوروبية والأمريكية على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فى قطاع غزة ومطالبة حكومة الاحتلال بوقف العدوان والإبادة، ووصف الأوروبيين لما يحدث بأنه أمر غير مقبول، فى بيان ثلاثى مشترك بين فرنسا وبريطانيا وكندا، ثم التهديد الأمريكى لإسرائيل بإيقاف الحرب أو التخلى عن دعم إسرائيل، ما سر هذه التحولات، وما علاقة مصر بكل ما يجري، وما الأوراق المصرية التى أشهرتها القاهرة فى وجه الجميع، وهل نحن أمام اتفاق وشيك لوقف العدوان أو هدنة وصولاً لاتفاق نهائي، وما علاقة زيارة كبير مستشارى الرئيس الأمريكى للشئون العربية والشرق أوسطية والأفريقية للقاهرة ولقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى خاصة أن الزيارة لم تكن مخططة وجاءت عقب كلمة الرئيس السيسى فى القمة العربية ببغداد أنه لا سلام فى الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية حتى لو أبرمت إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، ولماذا تراجعت واشنطن عن تسريبات حول تهجير مليون فلسطينى إلى ليبيا ونفت ذلك بشكل سريع وصريح.. وما علاقة ذلك بتفجر الأوضاع وحرب الميليشيات فى طرابلس وسقوط حكومة الدبيبة، وسحب قوات إحدى الدول الداعمة لحكومة طرابلس التى انتهت شرعيتها منذ سنوات، تساؤلات كثيرة.. لكن لاشك فإن الموقف المصرى القاطع والصلب والشريف، يمثل حجر الزاوية والصخرة التى يتحطم عليها مخطط التهجير وهو ما يعنى أن كل ذلك لن يحدث طالما أن القاهرة ترفض ذلك، وتتصدى لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة والضفة إلى مصر والأردن وأن الأمور تجاوزت مرحلة الأقوال وبدء مرحلة جديدة الأساس فيها للأفعال والمواجهات، وهل وصلت الرسالة للأوروبيين والأمريكان؟.
إذا أردت أن تعرف قيمة ومكانة وثقل ودور مصر عليك أن تقرأ الأحداث جيداً، فالقاهرة، لا تباع ولا تشتري، وتتعامل بندية مع الجميع، ولا تخشى أى قوة على الأرض ولا تقبل بأى حال من الأحوال المساس بقرارها الوطنى المستقل ومبادئها ومواقفها ومصالحها وأمنها القومي، وهى واقفة مطمئنة على قدرتها على حماية مواقفها وقرارها، لا تطلب ولا تشترى رضا أو حماية أحد مهما كانت التبعات، فالجميع يعلم جيداً أنها مفتاح الشرق الأوسط وأن محاولات إغضاب القاهرة خسارة فادحة لأكبر قوة فى العالم.
ماذا حدث فى الساعات الأخيرة للدرجة التى جعلت نتنياهو يوافق على دخول المساعدات رافضاً نتائج التصويت لمجلس الوزراء المصغر، وما سر التهديدات الأوروبية والأمريكية لحكومة الاحتلال وإجبارها على فك الحصار ودخول المساعدات، والاستعداد للتفاوض والاتفاق، اقرأ من بين السطور رسائل شديدة اللهجة خرجت من القاهرة، وإظهار «العين الحمراء»، وأن الأمور لم تعتد تحتمل، وبعد أكثر من عام ونصف العام من ضبط النفس والهدوء من أجل الحفاظ على استقرار وسلام المنطقة وحتى لا تتسع رقعة الصراع «فلم يبق فى قوس الصبر منزع».. فى حالة تهديد الأمن القومى المصري، ووصلت الرسالة للجميع، فالأمور وصلت إلى درجة لم يعد يجدى معها الصبر، ولن ننتظر أن يفرض علينا أمر واقع.
يعلم الجميع أن مصر هى من تقود الشرق الأوسط، وأن لديها المقومات والمؤهلات، ولابد للجميع من إعادة قراءة التاريخ والحاضر، ليدركوا أن مصر لا تهزها ريح الضغوط والابتراز أو التهديد ولا تفرط فى أرض أو موارد، ولا تمنح أحداً شيكاً على بياض، ولا يفرق معها رضا أو غضب أحد طالما أنها على طريق الحق والشرف، لكن هذه الدولة العظيمة التى كادت تسقط وتضيع ووجدت القائد العظيم والمنقذ، لينتشلها من الضياع، كيف لها أن تقود الشرق الأوسط وتشهر مواقفها الشريفة فى وجه المخطط «الصهيو ــ أمريكى الإقليمي» بقوة وثقة وثبات وصلابة، الإجابة عن هذا السؤال تراها بوضوح من دفتر أحوال الـ 11 عاماً الماضية التى واصل فيها السيسى الليل بالنهار وسابق الزمن لتمكين مصر من القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة، وامتلاك منظومة الردع المصرية، والحقيقة وبدون مجاملة أو مواربة أن الرئيس بالفعل هو «رجل الأقدار» الذى ساقه المولى عز وجل لمصر فى أعقد وأخطر عصورها وأدقها ليقودها بحكمة واقتدار ويعبر بها إلى بر الأمان، أعظم ما فى قيادته امتلاك الرؤية والحكمة واستشراف المستقبل، قرأ مبكراً أن مصر فى حاجة شديدة إلى إعادة بناء.. وأن تتحصن بالقوة والقدرة والردع، وتكون قادرة على الوفاء باحتياجات شعبها، وإجهاض محاولات التركيع والحصار، لذلك فإن الرئيس السيسى على مدار الـ 11 عاماً الماضية تبنى رؤية عظيمة محاورها كالتالي:
أولاً: تخليص مصر من ميراث الأزمات والمشاكل المتراكمة عبر عقود مضت، وانتهاج سياسات الإصلاح الشامل وبناء الدولة الحديثة على قواعد وأسس صحيحة، فى كل القطاعات والمجالات بشجاعة وثقة، والتفاف شعبي.
ثانياً: إطلاق أكبر رؤية وملحمة للبناء والتنمية فى جميع ربوع البلاد، تستهدف تهيئة البلاد إلى الانطلاق، والنهوض والصعود.. وتعدد الموارد ومصادر الدخل وتوفير مقومات الازدهار والاستثمار، من بنية تحتية عصرية إلى مشروعات عملاقة فى جميع المجالات، إلى إحياء المشروع الوطنى للتقدم وإعادة مصر الزراعية والصناعية، كل ذلك يخدم حماية استقلال القرار الوطنى والانطلاق إلى المستقبل.
ثالثا: بناء منظومة القوة والردع لحماية الأمن القومى المصري، والسيادة والأراضى والحدود وأيضاً حماية المشروع الوطنى لتحقيق التقدم وإجهاض المخططات التى تستهدف فرض أمر واقع على مصر على حساب أراضيها ومواقفها وقد نجحت رؤية الرئيس السيسى على مدار 11 عاماً وهى توازى محصلة عمل أكثر من 50 عاماً ونحصد ثمارها ونتائجها الآن فى بناء دولة الفرص، والتوقعات بالمستقبل الأفضل، والتصدى بشموخ وشرف للمخططات التى تستهدف السيادة الوطنية والأمن القومي، وكل ذلك وفر الحماية للقرار الوطني.