الأمن الثقافى والهوية الوطنية
«الحرب والسلام» رواية ذات ابعاد متشعبة للكاتب الأشهر عند العرب «ليو تولستوي» التى نشرتها مجلة المراسل الروسى 1865 ورغم تحليق الرواية فلسفيا بين طبقات المجتمع الروسى العاملة «أقنان الأرض» والملاك من «الأسياد»، وأيضا شروق الخيط الرومانسى بالرواية، وبالتأكيد لا يغيب عن احداثها الدور التاريخى فى توثيق الحرب النابليونية على روسيا القيصرية، إلا أننى اتعمد اقتناص هدفا آخر وهو مهارة الكاتب فى إظهار مدى قدرة أحداث الحرب والسلام لاحداث تغيرات تاريخية ومجتمعية، وربما راق لى اجتماع مفردتى «الحرب» و»السلام» معا ـ وفقط ـ لطرح فكرة أنهما وجهان لحال واحد، فلا سلام دائم وكذلك لا حرب أبدية، إنما المتغيرات الحادثة هى الحاكمة فى تقرير مصير أحدهما وتغليبه على حضور الآخر، وربما أيضا فى مقولة ونستون ليونارد سبنسر تشرشل الذى ولد 1874 بعد رواية تولستوى بعقد كامل وصار جنديا ثم كاتبا نال جائزة نوبل فى الأدب ـ وهو رئيس الحكومة الوحيد الذى نالها ـ وكان عضوا بالبرلمان عن الحزبين المحافظين لخمسة عشر عاما والليبرالى لعشرين عاما، ورئيس وزراء بريطانيا العظمي مرتين، الأولي خلال الحرب العالمية الثانية فى 1940 والثانية فى 1951 وكان يوما ما من أحد ضباط الصف فى الجيش الملكى بالسودان الى ان صار أميرا للبحرية الملكية، وتقلد وزارات عدة منها الخزانة والذخائر وغيرهما كالصناعة والتجارة، الداخلية، وزار مصر وخاصة الأقصر وشارك بمعركة أم درمان فى سبتمبر 1898 وكان تشرشل حينها مراسلًا حربيًّا لجريدة مورنينج بوست، وكتب عن احتلال السودان مؤلفه الأول 1898 المكون من مجلدين بعنوان «حرب النهر» وصدرت النسخة الأولي 1899 إنما الأهم ـ هنا ـ هى مقولته المدوية:» لا تدع الأزمة الجيدة تمر سدي» وأيضا « لا يمكن ان نشترى السلام بالتنازل» وتلك المقولتان اجد فيهما واقعا حقيقيا للسياسة الحاكمة فى الاقليم العربى ومحيطه، فالأزمات الدائرة هى ازمات قوية ـ بحق ـ ولابد من التعامل معها بجدية واستثمارها.
حقا هنا أزمة وربما أزمات كبيرة ومركبة ومتشعبة تمر بها تلك القوى المتصارعة على تولى زمام الإقليم، إنما لمصر الفرصة سانحة للانفراد بإدارة الإقليم، وأيضا ولاننا نؤمن بعقيدة راسخة بأننا لا نشترى السلام بالتنازل عن الأرض أو الكرامة أو الارادة، ومع تمسكنا بالمباديء المتأصلة بالشخصية المصرية وهى ذاتها الحاكمة لادارة الواقع الإقليمي.