الرجل الذى أقصده لن أذكر اسمه احتراماً لفكرة الموضوعية والتجرد، لكن وللأمانة ما أقصده ليس شخصاً واحداً فقط، إنهم كثيرون يعيشون بيننا ويتقدمون صفوف النخب فى كل المناسبات، هؤلاء لديهم خبرات عريضة وأصحاب معارف موسوعية وثقافات متنوعة ولدى كل منهم تاريخ طويل كان يجب ان يحافظوا عليه، لكنهم للأسف لم يفعلوا، إنهم كانوا من عقلاء الأمة الذين نهتدى برؤاهم ونلجأ إليهم نتلمس خطاهم، لكنهم فى كل مرة يوجّهون إلينا طلقات الخذلان المسمومة.
>>>
يهاجم عبدالناصر ويقول فيه ما ليس فيه رغم أنه يدعى أنه من حوارييه، ويطعن غمزا فى الرئيس السادات بما لا يليق برجل مارس السياسة ردحا من الزمن، والأنكى أنه تحدث عن الرئيس مبارك بكل ما يسيء إليه وهو الذى كان بمثابة الخادم الأمين له فى عهده وحياته، واليوم يخرج علينا نفس المثقف السابق والسياسى والدبلوماسى والبرلمانى ليهين أمة ويحرج دولة بكلمات انبطاحية رخيصة لا تدل إلا على «قلة قيمة»، بيد أن الرجل – أى رجل – قد غلبته شيخوخته وخدعته ذاكرته وخانته أمانته وسيطرت على مفاصل عقله أوراق البنكنوت الخضراء فلم يعد يرى سواها ودونها تقطع الرقاب والأعناق!
>>>
وهنا أتساءل ما هو الفارق بين من يشوه تاريخ أمته بالأكاذيب والأضاليل ومن يخون بلده متجسسا عليها لحساب أعدائها أو حتى أصدقائها؟ القانون لدينا يعاقب من يزور محرراً رسمياً فما بالنا بتزوير تاريخ موثق؟ القانون لدينا يعاقب من يسب ويقذف أى شخص أو يحط من شأنه فما بالنا بمن يقذف ويسب أمه؟ والذى نفسى بيده إننا نعيش لحظة إعمال العقل فيها شيء من الجنون، لماذا يخرج أحدهم منبطحا مستلقيا يشعر بالمهانة والمذلة من أجل حفنة دولارات؟ ألا يعلم هؤلاء أن الكفن ملوش جيوب؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم فقدوا احترام الناس وتقديرهم؟
>>>
الناس فى بلدى طيبون ليسوا أثرياء بل يكابدون ويجتهدون ويكافحون من أجل لقمة العيش، لكنهم أوفياء لكرامتهم لديهم عزة نفس تكفى الدنيا ويغارون على بلدهم كغيرة الرجل الحر على أهله، لكن ملح الأرض وهم أهل مصر الطيبون ينظرون إلى بعض النخب من المثقفين والمفكرين وبعض رجال السياسة والإعلام على أنهم خانوا مصريتهم بعلم أو بجهل أو بحماقة، فالمثقف الذى يخرج ليطالب بعودة الرتب المدنية باشا وبك وأفندى.
وذلك الذى يرى فى نفسه عبدا ذليلا أمام كل من يطرق بابه حاملا حفنة حقيرة من الدولارات والمقابل ان يفتح فمه لتخرج منه تلك الكلمات والأفكار الكريهة كراهية الخيانة، أشعر بضيق وأنا اكتب هذا الكلام، أشعر أننى أبحث عن قطة سوداء فى غرفة مظلمة، أشعر أن الثوابت التى طالما آمنت بها تهتز أمام عينى نتيجة زلازل الحماقة والتفاهة والرخص الذى أراه أمام عينى يوميا، نحن فى أزمة حقيقية، استباحة كل شيء وارتكاب كل الكبائر دون خجل، هل يعقل ان نجد احدهم يخرج ليقول اى كلام فى أى موضوع وتخرج الجهات تكذبه على استحياء ويستمر فى أكاذيبه باحثا عن التريند الملعون الذى يقوده إلى عمل أى شيء حتى لو اضطرّ إلى رفع الرايات الحمراء، وآهٍ من الرجال عندما يرفعون راياتهم الحمراء!
>>>
أتذكر هنا ما كتبه أبو الليبرالية المصرية وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد مقالا تحت هذا العنوان لم يكن يدرى أن قدحه لعقلاء الأمة وعتابه عليهم لما ارتكبوه من أخطاء سيصل إلى جيلنا المنكوب بنخبه المزيفة، لم يكن يعلم لطفى السيد أن زمنا سيأتى يختفى فيه العقلاء ويندر أن يجد المرء شخصاً عاقلاً واعياً مجرداً حكيماً لا يعبد هواه ولا يسير فى طريق الحماقة ليغرس بذور الفتنة لتنمو وتتكاثر فى محيط من الجهل والمرض والأمية والتخلف.
>>>
لم يكن يعلم أبوالليبرالية أن ما كان يروجه من أفكار تدعو إلى قيام العقلاء والمثقفين بدورهم قد وصلت إلينا بشكل عكسي، فنحن من ندعو المثقفين والمفكرين الذين كانوا كبارا أن «يعقلوا» ويحترموا أنفسهم ولا يسيئوا إلينا بفعالهم الرخيصة، وهنا أدعوا الجميع إلى التوقف عن استضافة هؤلاء وأقول لهم «ارحموا شيخوختهم».