ما بين كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة العربية بالعاصمة العراقية بغداد.. وحضور كبير ومستشارى الرئيس الأمريكى للشئون العربية والشرق أوسطية والأفريقية للقاء الرئيس السيسى فى هذا التوقيت بالغ الدقة خاصة بعد انتهاء زيارة الرئيس ترامب للمنطقة.. وأيضاً بعد القمة العربية فى بغداد.. وسط تصريحات أمريكية متناقضة عن غزة والقضية الفلسطينية وتحركات جيش الاحتلال الإسرائيلى لمزيد من الابادة والحصار والتجويع وتدمير المستشفيات على رءوس المرضى والجرحى واستمرار هذه المأساة الإنسانية رغم انتهاء زيارة ترامب للشرق الأوسط دون أى نتائج تتعلق بالوضع فى غزة وإنهاء العدوان الإسرائيلى.
ما بين قمة بغداد وما أكدت عليه مصر من ثوابت ومواقف بالنسبة لكافة الملفات والأزمات العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلى واستقبال الرئيس السيسى لمسعد بولس كبير مستشارى الرئيس ترامب وهو الأقرب بالنسبة للرئيس الأمريكى على المستوى العملى والعائلى وفى هذا التوقيت وفى ظل وضوح الموقف المصرى ورفض القاهرة لمخطط تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين ورفض مصر لأى مشروعات تتعلق بقطاع غزة سوى بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه ووطنه وتنفيذ خطة الإعمار المصرية فى القطاع وعزم مصر تنظيم مؤتمر دولى للتعافى المبكر فور توقف العدوان.. وأيضاً موقف مصر تجاه هذا العدوان بضرورة الوقف الفورى لاطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى والرهائن.. وأيضاً المبدأ الثابت والراسخ بحق الفلسطينيين طبقا لمقررات الشرعية الدولية فى إقامة دولتهم المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. فلا سبيل ولا حل إلا إقامة الدولة الفلسطينية حتى لا يتجدد الصراع.. ومن أجل الاستقرار والسلام فى المنطقة وهو ما أكد الرئيس السيسى عليه فى كلمته بقمة بغداد انه لا سلام بدون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى لو أبرمت إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع كافة الدول العربية.
كلمة الرئيس السيسى وحضوره لقمة بغداد وحضور كبير مستشارى ترامب للقاء الرئيس السيسى يحمل دلالات كثيرة ويبعث برسائل مهمة.. أولها ان القاهرة هى مركز القرار وان مواقفها لا تباع ولا تشترى وانه لا حل ولا ربط فى الشرق الأوسط إلا من خلال مصر.. لذلك أتوقف كثيراً أمام حضور كبير مستشارى الرئيس الأمريكى للقاء الرئيس السيسى فى توقيت لا يحتاج لشرح أو تفسير بما يعنى أن واشنطن حريصة على الاحتفاظ بالعلاقات والشراكة الإستراتيجية مع مصر وانها أى القاهرة تقف بصلابة وقوة فى وجه أى مخططات تخالف مواقفها وثوابتها فلا تهجير للفلسطينيين تحت أى ظرف ولا مساس بالأمن القومى المصرى ولا اقتلاع للحق الفلسطينى المشروع فى بقاء الشعب الشقيق على أرضه وإقامة دولته المستقلة ولا مجال لوجود تحالفات «أمريكية- صهيونية إقليمية» تسعى لفرض أمر واقع أو مصالح تمس الثوابت والحقوق المشروعة والأمن القومى المصرى.. ولعل ما قاله ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط انه لا مجال لخسارة مصر لأن الخسارة ستكون فادحة لواشنطن.. فمصر هى بوابة وركيزة الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط ومفتاح المصالح المتبادلة.. لذلك بعيدا عن الأهداف التى تسعى إليها واشنطن على الصعيد الاقتصادى والاستثمارات فالقاهرة لديها ما يفوق ذلك بكثير وهو البعد الإستراتيجى للآخرين فى المنطقة.. وأن خسارتها أو اغضابها فيه انتكاسة سياسية لهم.. فى ظل تنافس القوى الدولية الأخرى على طلب ود مصر وتوسع الشراكات والمصالح بما لدى القاهرة من قوة ونفوذ وفرص ومفاتيح بحكم الماضى والحاضر والتاريخ والجغرافيا.
كلمة الرئيس السيسى فى «قمة بغداد» كان لها صدى مدوٍ وتأثير كبير وموقف مصر يقف حجر عثرة أمام تحرك المخطط للأمام فلا سلام فى الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مهما نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقات تطبيع مع جميع الدول العربية ولعل الأكثر فهماً للتأثير المصرى والموقف الحاسم للقاهرة.. هو حالة التموضع على كافة المستويات خاصة لمنظومة الردع المصرية وجاهزيتها لكل الاحتمالات والسيناريوهات وما لديها من قوة وقدرة فى ظل حالة الارتباك والانهاك والانكشاف للآخرين.. لذلك أقول ان أوراق المعركة المؤثرة فى أيدى القاهرة ولا يمكن تمرير أو مرور أى شىء ترفضه القاهرة.. لذلك فإن زيارة كبير مستشارى الرئيس ترامب ولقاءه بالرئيس السيسى يعكس الشواغل والاهتمام الأمريكى الكبير بالرؤية والموقف المصرى وهناك كما قلت من قبل حسابات وتقديرات ونصائح من مراكز صنع القرار للبيت الأبيض بعدم اغضاب القاهرة.. فاللقاء بين الرئيس السيسى وكبير مستشارى الرئيس ترامب هو حديث الجد والمصير.. وليس حديثاً احتفائياً دعائياً أو كلااًم فى العوائد والاستثمارات والمكاسب.. فاللقاء أكد عمق العلاقات الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن والحرص على تعزيزها بما يتفق مع مصالح البلدين وجاء التأكيد على موقف مصر خلال اللقاء بضرورة الوقف الفورى لاطلاق النار فى قطاع غزة وانفاذ المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى المحاصر.. وهنا يؤكد مسعد بولس حرص الولايات المتحدة على استمرار الجهود المشتركة مع مصر لاستعادة الهدوء الإقليمى وهو هدف أمريكى فى ظل تمسك واشنطن بمصالحها فى الشرق الأوسط وبما يخدم مصالح كافة الأطراف.. وفى ظنى ان هذا اللقاء سوف يبنى عليه كثيراً خاصة فى ظل جهود الوساطة «المصرية- القطرية- الأمريكية» بالدوحة وحديث نتنياهو عن أن إسرائيل منفتحة على اتفاق لإنهاء الحرب ولكن وفق شروط يجرى مناقشتها.. لذلك فى ضوء هذه المعطيات وبعيداً عن مراوغات حكومة الاحتلال المتطرفة يمكن ان نتوقع اتفاقاً وشيكاً وأيضا فى ظل صلابة الموقف المصرى القاطع ورغبة أمريكا فى استعادة الهدوء الإقليمى خاصة وأن مصالح حلفاء أمريكا فى الإقليم عقب نتائج زيارة ترامب للشرق الأوسط لابد من استقرار يحميها ولن تتحقق طالما وجدت التوترات والصراعات والتصعيد الذى قد يؤدى إلى اتساع رقعة الصراع بما يهدد هذه المصالح والمشروعات الجديدة.
من يظن ان دور مصر تراجع فهو واهم ولديه قصور عقلى ولا يقرأ الواقع والمشهد ولماذا تتوقف عجلة المخطط «الصهيو- أمريكى» الإقليمى وسط حالة عجز وارتباك لأطراف هذا المخطط.. فالإصرار على تنفيذ هذا المخطط هو مغامرة ومقامرة بكل المقاييس ورهان فاشل.. لذلك فالقاهرة هى صاحبة الدور المحورى فى المنطقة باعتبارها القوة الإقليمية الأعظم فى الشرق الأوسط.. وهذا يؤكده الواقع.. التحركات الأمريكية الجادة نحو القاهرة للبحث عن حلول لاستعادة الهدوء الإقليمى فالأمر تجاوز فرصة المناورات والألاعيب وباتت كل الأوراق والمواقف واضحة ومكشوفة للجميع وقد آن الأوان أن تخرس ألسنة الزيف والكذب والتشكيك وان تخجل من نفسها وان تتخذ قرار الانتحار الإعلامى الكاذب والسياسى الردىء فى ظل شرف المواقف المصرية وصلابتها وقدرة الدولة المصرية على حماية مواقفها.
ما تحدث الرئيس السيسى به فى بغداد عن الأزمات العربية فى ليبيا والسودان واليمن والصومال وهى ذات المفردات التى تحدث بها فى لقائه مع كبير مستشارى الرئيس الأمريكى.. فليبيا تحتاج إلى حل ليبى وحكومة تحظى بتأييد الليبيين وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى وقت متزامن وخروج القوات والميليشيات الأجنبية وهو أيضا نفس الحال للسودان الذى يحتاج إلى الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه بإرادة السوادنيين واليمن الذى هو أيضا فى حاجة إلى حل سياسى يوحد الشعب اليمنى ويحفظ له أرضه ووحدته.. مصر لا تتحدث إلا بوجه واحد ولا تتبنى إلا المواقف الشريفة وهى صاحبة قرار وطنى مستقل لا تتبع أحداً ولا تقبل ضغوطاً من أحد.. تقول وتفعل.