أعشق أعمال السيرة الذاتية، وأراها إعادة إحياء لشخصيات كان لها من الأثر ما يستحق التخليد، وكثيراً ما تستهوينى الأعمال الفنية التى تقدم تاريخ من رحلوا ولم يكتب لنا معايشتهم، لكن يظل أثرهم باقياً رغم الرحيل بما قدموه للبشرية من أعمال صالحة نجحت فى الاحتفاظ بمسيرتهم رغم طول سنوات الرحيل.
ورغم إنتاجه قبل ميلادى بسنوات، إلا أن إعادة عرض مسلسل «الأيام» على شاشة التليفزيون، أتاحت لى فرصة التعرف عن قرب على حياة عميد الأدب العربى طه حسين، ومعايشة الكثير من الأحداث التى عايشها من خلال براعة بطل العمل النجم الراحل أحمد زكى فى تجسيد الشخصية، وهو ما تحقق له أيضاً فى «ناصر 56» و«أيام السادات» حتى أنك قد لا تشعر أن البطل واحد فى الأعمال الثلاثة.
ولا يتوقف أثر تلك الأعمال على الجانب الفنى والدرامى، ففيلم ناصر 56 عندما شاهدته لأول مرة كنت أجلس فى مدرجات الجامعة، حيث نجحت إدارة الكلية -فى إطار الأنشطة الثقافية- فى جلب نسخة من الفيلم الذى كان مازال يعرض فى السينما، وتفاعل جميعنا مع أحداثه بدرجة لا توصف، حتى أنه مع إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس هتف جميعنا مردداً « الله أكبر « وكأننا نعايش الحدث فى وقته.
نفس الحالة عايشتها مع مسلسل إمام الدعاة الذى جسد فيه النجم الراحل حسن يوسف مسيرة الشيخ محمد متولى الشعراوى، ومسلسل رجل الأقدار الذى نجح من خلاله النجم الراحل نور الشريف فى إبراز عظمة شخصية الصحابى عمرو بن العاص رضى الله عنه وأرضاه.
ولم يختلف الأمر فى تقديم سيرة بعض الرموز الفنية، كما جاء فى مسلسل أم كلثوم الذى لعبت بطولته النجمة صابرين وأظهرت تاريخ كوكب الشرق ليس كمطربة فحسب ولكن كواحدة من الذين لعبوا دوراً تاريخياً فى الحياة السياسية فى واحدة من أهم الفترات فى تاريخ مصر.
ومؤخراً امتد تجسيد السيرة الذاتية فى الدراما لشهداء الجيش والشرطة، كما شاهدنا فى مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة، وهو العمل الذى نجح فى تعريف كل من شاهده حجم البطولات التى قدموها، من أجل بقاء الوطن واستقراره، ولا يزال فيلم عمر المختار هو علامة فى تاريخ السينما لأعمال السيرة التى جسدت حياة أسد الصحراء، كما عرف بعد 20 عاماً من الجهاد قاد خلالها المقاومة الليبية ضد الطليان من أجل استقلال بلاده.
هكذا يكون تقديم سيرة من رحلوا ولأن الإنسان ليس منزهاً عن الخطيئة لكن من غير الجائز أن يأتى العمل للإساءة لأشخاص باتوا فى رحمة الله، وربما فعلوا فى الدنيا قبل الرحيل ما يغفر لهم من الأخطاء لذا نقول دوماً «اذكروا محاسن موتاكم» خاصة أنه لم يعد بمقدورهم الحديث وتبرير ما أقدموا عليه من أفعال فى الدنيا بعد أن أضحوا فى دار الحق.
كل ما سردته تجسد أمامى وأنا أتابع ما أقدم عليه ورثة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بحقه قبل أن يكون بحق السندريلا سعاد حسنى عندما نشروا خطاباً من مقتنيات الأول نسبوه إلى الثانية، وأعطوا لأنفسهم الحق فى نبش الأسرار الشخصية لموروثهم بعد ما يقرب من أربعة عقود مضت على رحيله.
ما حدث أصابنى بالرعب من استباحة الحياة الشخصية للشخص بعد وفاته، وقد يدفعنى للتوقف عن تدوين بعض الأحداث الخاصة بى فحتماً لو كان حليم يدرك أن هذا ما سيحدث لكان قد مزق أوراقه.