ليس جديداً أن أقول إن القمة العربية التى تعقد اليوم بالعاصمة العراقية بغداد تأتى فى توقيت بالغ الدقة، ربما الأفضل مفترق طرق واللحظة الحرجة وسط تحديات وتهديدات تواجه الأمن القومى العربى.. فالأزمات والصراعات والمخاطر تتصاعد، والمخططات والمؤامرات التى تستهدف أمة العرب لم تبارح عقول وأوهام قوى الشر وأعداء الأمة، باتت التهديدات والمخاطر تأتى من كل حدب وصوب وهو ما يحتاج وبشكل وجودى خطاباً عربياً مختلفاً يتسق مع حجم التهديدات والتحديات وتفعيل حقيقى للعمل العربى المشترك، وإجراءات حاسمة وواضحة نحو تكامل عربى شامل لإيقاف الأزمات فى الأمة، والاستثمار الصحيح فى ثرواتها ومقدراتها، والإيمان الكامل بأن العرب جميعاً مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
سأكرر القول إن قمة بغداد العربية التى تستضيفها دولة عربية عريقة يافعة بالتاريخ والحضارة والعطاء الإنسانى والتفانى، وأيضاً ثراء فى العمل العربى تأتى فى وقت وتوقيت بالغ وشديد التعقيد، تتكاثر فيه المخاطر والتهديدات، وتحاصر الأمن القومى العربى وباتت قمة بغداد متخمة بالتحديات والتهديدات والمخاطر التى تواجه الأمن القومى العربى من فلسطين حيث تتحالف قوى الشر لابتلاع الأرض والجغرافيا العربية، وإلى سوريا حيث الانتهاكات والتوغل الإسرائيلى فى الأرض العربية، ولبنان الذى يواجه نفس التهديد إلى ليبيا الممزقة، والتى تشهد فى عاصمتها حرب الميلشيات وفى أشد الحاجة إلى العودة إلى ليبيا الموحدة، لتحفظ وحدة وسلامة أراضيها، وتصون مقدراتها وثرواتها، ثم اليمن الذى يشهد انقساماً وفرقة، ومخاطر التقسيم التى تجثم على صدر هذا الوطن العريق، إلى الصومال الذى يتحسس طريقه إلى الوحدة، واستعادة الدولة الوطنية، ووحدة الأرض الصومالية إلى السودان الذى يشهد حرباً أهلية، مصنوعة من قوى التآمر والتدخلات الخارجية بغية تقسيمه وتحويله إلى أشلاء ممزقة وهو يقاوم بضراوة هذا المصير المظلم، ثم الأمن المائى العربى، وخطر انتهاك الاتفاقيات الموقعة، خاصة السد الاثيوبى الذى هو صناعة قوى الشر لتهديد مصر فى أمنها المائى الذى هو «خط أحمر»، إلى الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة وإرهاب ينتظر لحظة ضعف للانقضاض وتغذية المؤامرات والمخططات والدعم الخارجى، وأزمات صنعتها تداعيات الصراعات الإقليمية والدولية ذات أبعاد اقتصادية تتحمل الشعوب العربية آثارها الصعبة، ولذلك فإن قمة بغداد هى استمرار للقمم العربية التى تنعقد فى توقيتات بالغة الدقة.
والحقيقة أن جميع الملفات والقضايا والتحديات العربية فى حاجة إلى إجراءات حاسمة وواضحة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فمازال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة يتواصل وحرب الإبادة تتصاعد، وتواجه غزة كارثة ومأساة إنسانية بفعل القصف والقتل والحصار والتجويع، والأدهى والأمر أن جيش الاحتلال يستعد لعمليات برية واسعة وهجوم شامل على القطاع تحت مسمى «عربات جدعون» فى إصرار سافر على مخطط التهجير، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم وهم أصحاب الحق المشروع وفى ذات الوقت تحاط بدعم أمريكى غير محدود، ولم توقفه مناورات وخداع الخلافات بين ترامب ونتنياهو، فالرئيس الأمريكى مازال يتحدث عن رغبته فى أن تمتلك أمريكا غزة، وتحولها إلى أرض الحرية، فالموضوع أكبر وأخطر بكثير مما يتصور البعض، فقطاع غزة مطلوب طبقاً للمخطط الصهيو ــ أمريكى مع تحالف إقليمى فى محاولة لصياغة ورسم جديد للمنطقة، وفى إطار مصالح، وأيضاً فى إطار صراع النفوذ والهيمنة والثروات والممرات البحرية، فترامب لم يغيًّر مواقفه تجاه غزة وفلسطين الأرض العربية ومن الخطر أن تتغذى قوى الشر وأعداء الأمة على ثرواتها ومقدراتها وفى ذات الوقت تتمسك وتنفذ مخططاتها فى التهجير وتأجيج الصراعات والعمل لصالح الكيان الصهيونى، ودعمه لتحقيق أوهامه فى إقامة إسرائيل الكبرى وطبيعة الحال على حساب الأراضى العربية، والغريب أن الخرائط لم تعد خفية أو فى أدراج الصهاينة بل تعلن على الجميع.
مصر العظيمة الشريفة، تقف بشموخ وشرف وحيدة منفردة فى وجه المخطط الصهيو ــ أمريكى، لا تفرط فى ثوابتها ومبادئها، مهما كان الثمن فلا تصفية للقضية الفلسطينية، ولا تهجير، ولا توطين على حساب الأراضى المصرية، فهذا أمن قومى وخط أحمر مهما كانت الإغراءات والضغوط والتهديدات تتحرك بذكاء وعبقرية، نسعى للحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وإقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ونتحرك بفاعلية ونجاح فى الحشد السياسى والدبلوماسى على الصعيد الدولى لتأييد مواقفها ورؤيتها، قد يكون القادم القريب صعباً للغاية، وباتت كل الاحتمالات والسيناريوهات واردة، ومصر فى أعلى درجات الجاهزية، لكن فى ذات الوقت تتحرك بقوة على كافة الأصعدة لوقف إطلاق النار والعدوان وتبادل الأسرى والمحتجزين.
لابد من التصدى للعربدة الإسرائيلية فى الأراضى العربية من جرائم وإبادة وانتهاكات واحتلال لمزيد من الأراضى فى سوريا ولبنان والتخطيط لاحتلال قطاع غزة، وهذا يتطلب على الضغط على الإدارة الأمريكية والتخلى عن دعمها المطلق وغير المحدود لجرائم الكيان الصهيونى، خاصة ان لديها الكثير والكثير من المصالح فى المنطقة العربية، والتى تمثل لها طوق نجاة للاقتصاد الأمريكى، والتى لابد أن تكون عنصراً مهماً وحتمياً فى تحقيق الأهداف العربية فى وقف جرائم نتنياهو وحكومته المتطرفة، التى فاقت كل التوقعات، وتجاوزت كل القوانين والإنسانية، وبات العالم يلفظ الكيان، إلا واشنطن التى تحتضنه وتنفق عليه وتدعمه بالمال والسلاح ليقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، ويشن حرب إبادة وتدمير كامل، ويخطط لاحتلال غزة وحشر ٢ مليون فلسطينى فى رفح الفلسطينية بالقرب من الحدود المصرية.
أيضاً القمة العربية فى بغداد تواجه تحديات كثيرة، ليس فى الصراعات والأزمات التى تشهدها الدول العربية، ولكن أيضاً فى خطر كامن ينتظر الانقضاض فى أى لحظة، وهو الإرهاب الذى يتصارع الآن فيما يعرف بحرب الميلشيات على النفوذ والسلطة والمال مستغلاً حالة الفراغ وسقوط الدولة الوطنية، ناهيك عن تغذية الصراعات الداخلية والأهلية فى بلدان عربية وتكريس الانقسام والانفصال، بفعل المؤامرات والمخططات والتدخلات الأجنبية والخارجية، لذلك فإن مسئوليات قمة بغداد، وما تبحثه من تحديات وتهديدات على الأمن القومى العربى أمر غير مسبوق، وأيضاً فى ظل آمال وتطلعات الشعوب العربية استثنائية.. فالمخاطر تحاصر أمة العرب، وتأتى من كل حدب وصوب ليس من خارجها فحسب ولكن من داخل دولة، لذلك مطلوب وقفة حاسمة والحل فى ظنى هو بناء قوى للعمل العربى المشترك والشامل، والعودة إلى تنفيذ الأحلام والتطلعات وتأسيس قوة ردع عربية، وإيجاد صيغة للنشاط السياسى والدبلوماسى العربى لحل الأزمات الداخلية فى بعض الدول، أو ما بين دول عربية وأخرى، والتصدى معاً وجميعاً للتهديدات الخارجية والمخططات التى تسعى لابتلاع وتقسيم وإسقاط دول العرب.