«اللى حضر العفريت.. يصرفه».. مثل معروف، يقال تعبيرا عن مشكلة تسبب فيها شخص ما، فيتم إلقاء اللوم عليه ليحلها كما تسبب فى تعقيدها، الأمر نفسه ينطبق على الغرب وإسرائيل، فليس سرا أن الأوروبيين والأمريكيين هم من زرعوا إسرائيل فى قلب منطقتنا، غرسوها سهما فى صدورنا، ليتخلصوا من الصهاينة فى أوروبا وأعمالهم التى تضر بكل أرض تطأها أقدامهم.
ولمن لا يعلم، فإن الغرب كان يبحث عن أى مكان فى الأرض ليبعد اليهود عنه، وبدأ التفكير أولا بإقامة وطن لهم فى الأرجنتين، ثم فى غرب آسيا، وبدأ تحضير العفريت الصهيونى من وعد بلفور عام 1917، باختيار فلطسين مرورا بتنفيذ الاستيلاء على الأرض العربية بالقوة والدعم للمهاجرين اليهود من كل مكان.
حدث ذلك فى وقت كان فيه العالم العربى فى أضعف وأسوأ حالاته، تحت الاحتلال والانتداب الإنجليزى والفرنسى والإيطالي، وفى ظل خلافة عثمانية «مريضة»، فاستغل الغرب تلك الظروف وفعل فعلته، بتمكين العفريت الصهيونى وإعلان دولة إسرائيل عام 1948واعترفوا بها ظلما وزروا وعدوانا واغتصابا، وواصلوا تثبيت أركان العفريت بكل أنواع الدعم المالى والسلاح وفى المحافل الدولية، وخاصة أمريكا التى جعلت من الفيتو خنجرا تطعن به العرب فى قضيتهم العادلة وتحمى به المحتل الغاصب.
تطور الأمر وأصبح الدفاع الأمريكى عن إسرائيل باعتبارها ولاية أمريكية، وجزءا منها لكنه فى قلب العالم العربى الموجوع، وصولا إلى حروب الإبادة التى ترتكبها إسرائيل خلال كل هذه السنين، وكالمعتاد يحبط الفيتو الأمريكى إدانتها، وآخرها تلك الحرب الوحشية على غزة.
لم يقف تحضير العفريت الإسرائيلى عند هذا الحد، بل تخطاه إلى أبعد من ذلك، فتمت شيطنته، وأعلن الغرب تأييده لسفك الدماء الفلسطينية وساند و»بارك» عمليات الإبادة الجماعية للمدنيين الأبرياء، وصدّق الأكاذيب الإسرائيلية، وحتى بعد أن تأكدت الافتراءات لم يتراجع عن موقفه.
الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى كان وإدارته أول المؤيدين للعملية العسكرية البشعة فى غزة أعلن صراحة أنه صهيونى ولو لم توجد إسرائيل فى المنطقة لاخترعوها، لم يكن عندهم حمرة خجل من مساندة الباطل، ونراه نفسه يقول إن نتنياهو يُضر إسرائيل أكثر مما ينفعها، بطريقة إدارته الحرب فى غزة ويجب أن يكون أكثر حذرا حيال الأرواح البريئة التى تزهق بسبب الإجراءات المتّخذة.
ولأنه يقول الكلام وعكسه،يعود بايدن ويقول إن الاجتياح المحتمل لمدينة رفح حيث يعيش أكثر من 1.3 مليون فلسطينى «خط أحمر» بالنسبة له، ثم يتراجع فى ذات اللحظة بأنه لن يترك إسرائيل ولن يقطع الأسلحة عنها مثل صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية، فالدفاع عنها أمر بالغ الأهمية، ثم يرى أنه غير مقبول أن يفقد 30 ألف فلسطينى آخرين حياتهم بسبب مطاردة حماس.
القول الفصل، أن أمريكا والغرب وراء تحضير هذا العفريت الصهيونى وشيطنته، فهم الذين حضروا العفريت وعليهم أن يصرفوه ويتحملوا المسئولية عن ذلك، قولا واحدا، الأمر فى يد أمريكا، لو أرادت أن توقف الحرب فى لحظة لفعلت.
ذراع إسرائيل العدوانية لم تقف عند أرض فلسطين، بل تمدها هنا وهناك فى الأراضى العربية، فى لبنان وسوريا والعراق، بجانب الاغتيالات ومؤخرا تدمير القنصلية الإيرانية فى سوريا، ما جعل طهران ترسل طائراتها المسيرة، ذرا للرماد فى العيون، وتزعم أنها ترد على تلك الضربات، وفى النهاية الأمر لا يعدو أن يكون «تمثيلية» هابطة، كما فضحهم ترامب من قبل، عندما نسقوا معه بضرب «سور» قاعدة عين الأسد ردا على مقتل قاسم سليماني، وستكشف الأيام كيف تم الاتفاق على هذه المواجهة المزعومة.
العالم كله يعرف من يعمل أجل فلسطسين وأهلها ومن يتاجر بقضيتها.