احتفلت جامعة القاهرة نهاية الأسبوع الماضي بخريجي كلية الحقوق بها دفعة مايو 1977، والتي تصادف أن رؤساء جميع الهيئات القضائية الحاليين في مصر هم من أبناء هذه الدفعة، بعد 48 عاماً من تخرجهم، وهي حالة استثنائية غير مسبوقة في تاريخ الكلية والجامعة.
ولقد ذكرني هذا الاحتفال بمناسبة مهمة مشابهة، وهي أن شهر مايو الحالي يوافق مرور ستين عاماً علي تخرج دفعة 1965 في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وهي الدفعة التي شرفت بأن أكون واحداً من أبنائها.
وهي دفعة مميزة، فقد كانت ثاني دفعة تتخرج في الكلية التي أنشئت وبدأت الدراسة بها عام 1960، وهي الدفعة التي أسست نشاط الصحافة بالكلية لأول مرة من خلال إنشاء جماعة الصحافة وإصدار مجلة حائط نصف شهرية، ومجلة مطبوعة في نهاية العام.
وهي الدفعة التي قدم قسم العلوم السياسية بها، والذي لم يكن عدد طلابه يزيد علي الخمسين، نحو خمسة عشر سفيراً لمصر في مختلف دول العالم، بعد أن تقدموا لامتحان السلك الدبلوماسي الذي تجريه وزارة الخارجية سنوياً وتفوقوا فيه، وفتحوا أبواب هذا المسار أمام خريجي القسم من الدفعات التالية، حتي أن زميلي العزيز الأستاذ محفوظ الأنصاري، الذي كان وثيق الصلة بالخارجية طوال سنوات عمله الصحفي قال لي عندما عمل رئيساً لتحرير «الجمهورية»، إن زملاءك في الخارجية أصبحوا يمثلون «لوبي» الكلية في الوزارة.
وأذكر من هؤلاء السفراء: مشيرة خطاب، وكانت الأولي علي القسم في هذه الدفعة، وشغلت بعد تقاعدها من الخارجية منصب الوزيرة في الحكومة، وترأس الآن المجلس القومي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلي السفراء اللامعين: رضا أحمد حسن أبوعيطة ـ عادل المليجي ـ أحمد رسلان ـ نهاد عبداللطيف ـ رءوف سعد ـ د.محمد نعمان جلال، وغيرهم.
كما قدم نفس القسم والدفعة للصحافة المصرية الكتاب الصحفيين: الراحل عبدالعال الباقوري نائب رئيس التحرير بـ «الجمهورية» وعبداللطيف الحنفي مدير تحرير «الأهرام» المسائي الأسبق.. وكاتب هذه السطور.
وقدم قسم الاقتصاد بالدفعة الدكتور علي عبدالعزيز سليمان وكيل أول وزارة التعاون الدولي الأسبق والخبير بالمؤسسات التمويلية الدولية، والدكتورة كريمة كريم أستاذة الاقتصاد بكلية التجارة ـ بنات بجامعة الأزهر، والدكتور حاتم القرنشاوي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية.
وقدم قسم الإحصاء بالدفعة الدكتور سمير عبدالمجيد الأستاذ بأكاديمية السادات.
هذه فقط نماذج من خريجي هذه الدفعة التي أسست مع سابقتها للسمعة الطيبة للكلية ولأداء خريجيها في كل مجالات ومواقع العمل التي التحقوا بها.
وقد شاء حظي أن ألتحق بهذه الدفعة وأنا أحمل «كأس الصحافة الجامعية» من الثانوية العامة كأول طالب ثانوي يفوز بهذه الكأس بعد مشاركتي في مسابقة نظمتها منطقة شمال القاهرة التعليمية التي تتبعها مدرستي: العباسية الثانوية بنين «سابقاً» بحي الوايلي لطلبة الثانوية العامة بمدارسها لكتابة بحث بعنوان: «رحلات الرئيس جمال عبدالناصر الخارجية دعم للسلام العالمي».. وقد تقدمت ببحث من 12 صفحة فولسكاب، وكانت هناك رابطة وقتها تحمل اسم «رابطة الصحافة الجامعية هي التي ترعي هذه المسابقة، وفاز بحثي بالجائزة الأولي وهي كأس هذه الرابطة، وتسلمته في احتفال كبير بالمدرسة شهده اللواء صلاح دسوقي محافظ القاهرة وقتها الذي تولي رئاسة النادي الأهلي في إحدي الدورات، كما شهده الأديب الشاعر علي الجمبلاطي كبير مفتشي اللغة العربية بالمنطقة التعليمية.
ونشر الخبر وقتها بجريدة «المساء» بقلم محرر التعليم بها الراحل كمال جويلي.
ثم شاء حظي أن أتخرج في هذه الدفعة وأنا أحمل «كأس الطالب المثالي» في أول تنظيم لعملية اختيار طالب مثالي وطالبة مثالية تجريها الكلية منذ إنشائها، وكانت الطالبة المثالية زميلة تدعي أسماء المليجي، ونشر الخبر وقتها بمجلة «المصور».
وبين الالتحاق بالدفعة، والتخرج فيها، عشت أربع سنوات، هي الأفضل في حياتي علي الإطلاق، دراسة، وأنشطة، وعلاقات نقية وراقية مع كل زملاء وزميلات الدفعة والدفعة السابقة عليها والدفعات اللاحقة.
وبمــا أن «الشــئ بالشــئ يذكر» كما يقولون، واليوم 15 مايو، ذكري ما سمي بثورة التصحيح التي قادها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1971 للتخلص مما أسماهم «مراكز القوي»: علي صبري المسئول الأعلي عن الاتحاد الاشتراكي العربي، ووزراء الدفاع والداخلية والإعلام وغيرهم فقد كانت لي حكاية مع ليلة تلك الثورة.
كنت وقتها أعمل مديراً للتحرير بالنيابة لمجلة «الشباب العربي» الأسبوعية التي تصدرها منظمة الشباب ويرأس مجلس إدارتها وتحريرها الدكتور مفيد شهاب أمين المنظمة في ذلك الوقت.
وكنت أشغل هذا الموقع بصفة مؤقتة إلي جانب عملي كرئيس للقسم الخارجي بالمجلة، ولمدة ستة شهور هي فترة سفر مدير التحرير زميلي دفعتي عبداللطيف حنفي إلي ألمانيا الشرقية في بعثة منظمة الشباب للدراسة بمعهد الدراسات الاشتراكية في برلين.
وكانت المجلة تطبع في مطابع مؤسسة أخبار اليوم، وأذهب يوم طباعتها من كل أسبوع لأتابع عملية الطبع حتي نهايتها والاطمئنان علي صدور العدد وتجهيزه للتوزيع.
وتصادف أن موعد طبع وصدور العدد توافق مع «ساعة الصفر» السرية التي حددها الرئيس السادات للقبض علي معارضيه من مراكز القوي كما أسماهم.. وكنت أجلس قرب منتصف الليل في حجرة بمطابع «أخبار اليوم» مخصصة لأمثالي من مسئولي الصحف والمجلات التي تصدر من خارج مؤسسة أخبار اليوم وتطبع بمطابعها.
وفوجئت ببعض عمال المطبعة يأتون إليّ ليخبروني بأن عدداً من رجال الأمن حضروا للمطبعة الآن ـ وكنا في منتصف الليل ـ وتحفظوا علي جميع ما تمت طباعته من نسخ المجلة، ومنعوا توزيعها، ونخشي إن علموا بوجودك كمسئول عنها أن يتحفظوا عليك.
ولم ينتظر رجال المطبعة ردي.. بل قادوني من باب جانبي بالمطابع يؤدي إلي الشارع.. لكن «الجمهورية» كانت في انتظاري، فقد كان قرار تعييني بها قد صدر قبلها بأسبوعين في ابريل وتم تفعيله في مايو وبتوقيع ومصادقة رئيس مجلس إدارة كبيرين.. الكاتب الصحفي والروائي فتحي غانم والكاتب الصحفي الشاعر مصطفي بهجت بدوي.
المهم، أن سن الستين هي سن المعاش.. ومرور ستين سنة علي دفعتي يعني بالنسبة لي «المعاش الثالث».. فقد خرجت للمعاش التأميني في سن الستين، ثم خرجت للمعاش الوظيفي من منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة في الخامسة والستين.. فماذا بعد المعاش إلا الممات!!