سيظل قانون «المسئولية الطبية» الجديد على المحك حتى يؤتى ثماره بتطبيق أمين يعالج الأخطاء الطبية القاتلة، ويلزم مقدمى الخدمة بالتأمين الإجبارى لجميع العاملين فى المنظومة الطبية حتى يحصل أى مريض تضرر على حقه المناسب فى التعويض المالى حال تضرره من خطأ أو إهمال طبى جسيم لحق به بأى صورة كانت، على أن تُسند مهمة الحكم بوقوع ذلك الضرر إلى لجنة طبية على أعلى مستوي، وأن تترك الولاية القانونية فى تلك المسألة للنيابة العامة والقضاء وليس لنقابة الأطباء، تفادياً لأى شبهة انحياز أو تعاطف لأعضائها لاعتبارات مهنية أو انتخابية فضلا على تحديد المسئولية الطبية بصورة قاطعة، عبر تحديد العلاقة بين المريض والفريق الصحى المعالج، وتحقيق اشتراطات عمل هذا الفريق ومسئولياته، ليأتى مردوده إيجابياً على المريض والطبيب، بحيث يضمن للأول التدخل الطبى الصحيح فى الوقت المناسب من أطباء مؤهلين تماماً وفى المكان المناسب، كما يضمن له تعويضاً ماديًا مناسبًا دون الدخول فى إجراءات التقاضى التى تستغرق فترات طويلة.
ورغم مخاوف البعض من قانون المسئولية الطبية الجديد فإن ثمة آمالا معقودة على تطبيقه ليحدث توازنًا دقيقًا بين حماية حقوق المرضى وضمان بيئة عمل آمنة للأطباء، لكن ذلك لن يتحقق إلا بتعاون وثيق بين جميع الأطراف المعنية لتحقيق نظام صحى عادل وفعال.
نجاح التطبيق من شأنه إحداث تأثير كبير على منظومة الرعاية الصحية، حيث يهدف ذلك القانون إلى تنظيم العلاقة بين الأطباء والمرضي، وتحديد المسئوليات القانونية فى حالات الأخطاء الطبية وتعزيز وحماية حقوق المرضى من خلال تحديد المسئوليات القانونية للأطباء فى حالات الأخطاء الطبية، سوف يؤدى إلى تحسين جودة الرعاية الصحية وزيادة ثقة المرضى فى النظام الصحي.
ولابد من أخذ مخاوف الأطباء ونقابتهم من تضمين عقوبة الحبس فى القانون، بعين الاعتبار، ذلك أنهم يرونها تهديدا مستمرا يخلق بيئة عمل غير آمنة.
قد يتردد بسببها الأطباء فى التعامل مع الحالات الحرجة لتجنب الوقوع فى مشكلات قانونية، مما يهدد حياة المرضى ويزيد من الضغط على النظام الصحى ويدفع فى اتجاه زيادة هجرة الأطباء: ومن ثم تفاقم نقص الكوادر الطبية فى مصر.
وهنا يأتى دور البرلمان والحكومة فى مراقبة أمينة للتطبيق والمرونة فى التعامل مع ما قد يطرأ من سلبيات ربما تستلزم إعادة النظر فى العقوبات الجنائية، والتركيز على العقوبات المالية والتأمين المهني، كما هو معمول به فى العديد من الدول مع ضمان مشاركة الأطباء والمجتمع المدنى فى صياغة تعديلات جديدة للقانون متى كان ذلك ضمانا لتوازن المصالح مع العمل على توعية الأطباء بالقانون الجديد وتقديم الدعم القانونى اللازم.
نرجو للقانون الجديد أن ينجح عمليًا فى توفير الحماية اللازمة للمريض والطبيب معاً، وأن يلزم المستشفيات بالتجهيز طبقا لمعايير معتمدة، كما هو مُطبق فى كل دول العالم، خاصة فى الحالات الحرجة ذات نسب الشفاء القليلة، حتى لا يتردد الأطباء فى عمل التدخلات الطبية خوفا من الوقوع فى مساءلة قانونية أو ابتزاز، وأن يبذلوا أقصى جهودهم لإنقاذ هذه الحالات.
كما نرجو لتطبيق القانون الجديد أن يبث الطمأنينة فى نفوس المرضى وذويهم كما يسهم بالدرجة ذاتها فى تقليل هجرة الأطباء إلى الخارج وفقدان كفاءات وكوادر يصعب تعويضها فى بيئة تعانى نقصاً ظاهراً فى الأطباء والتمريض أيضاً، وهو ما يتطلب من الجميع دعم هذا القانون، ومراقبة تطبيقه بأمانة وحياد لسد الثغرات وعلاج القصور أو العوار أولاً بأول بتعديلات تشريعية تأخذ حظها فى الدراسة والحوار المجتمعى ويجرى إقرارها بصفة عاجلة تضمن نجاح المنظومة الطبية واستقرارها.
نرجو مع تطبيق القانون الجديد أن تتراجع الأخطاء الطبية التى خرجت على كثرتها إلى صفحات الحوادث بالصحف والمواقع وصفحات السوشيال ميديا على اختلافها وقد أودت بحياة كثيرين لاذوا بحمى الطب بشكاوى مرضية بسيطة فإذا بهم يخرجون محمولين على الأكتاف بشهادة وفاة من بينها جراحة بسيطة لرحم إحدى السيدات تحولت بفعل الإهمال إلى ثقب فى الرحم ثم القولون ثم تلوث بالدم أدى لوفاة الضحية.
يحدونا أمل كبير أن يحد قانون المسئولية الطبية من كوارث الأخطاء الصحية وأن يعيد ضبط العلاقة بين أطراف تلك العملية؛ بحيث لا يتغول طرف على آخر؛ فلا يضيع حق المريض فى التعويض المناسب إذا ساقه حظه العاثر إلى طبيب معدوم الضمير أو الكفاءة، ولا يتعرض الطبيب لابتزاز ومطاردات واتهامات كيدية من مرضى أفاكين ولا تفلت المؤسسة الطبية من مسئوليتها عن أطبائها المخطئين وتقاعسها عن تطبيق المعايير المهنية وهنا لابد من إلزامها بالتأمين الإجبارى على جميع العاملين بها.
الخطأ الطبى أمر وارد فى أى مكان، يقع فى عمومه عند امتناع طبيب عن علاج مريض أو لخطأ فى التشخيص ووصف العلاج، أو لقصور فى الرعاية اللاحقة وما أكثر ما يعتريها من إهمال وقصور..ومثل هذه الأخطاء مع تكرارها تهتز الثقة فى المنظومة الصحية برمتها، وينال من سمعة كوادرنا الطبية أمام الدول الأخري.
أملنا أن تختفى ظواهر سلبية كالأخطاء الطبية الكارثية فى الجمهورية الجديدة خصوصاً وأن هناك اهتماماً ما بعده اهتمام من رئيس الجمهورية بتحسين حياة المواطن وجودة ما يقدم له من خدمات طبية تعدد من أجلها المبادرات الرئاسية التى نجحت فى تغيير وجه الحياة الصحية فى مصر، بالقضاء على فيروس سى الفتاك بشهادات دولية معتبرة، والقضاء على قوائم الانتظار فى الجراحات العاجلة وهو ما نرجو أن يتوج بمنظومة صحية مستقرة وعفية حتى تكتمل منظومة التأمين الصحى الشامل فى كل المحافظات وهو الحلم الذى طال انتظاره.
فهل تتحقق المرونة فى التطبيق وفى التعديل إذا لزم الأمر وهل يتحلى كل طرف بالموضوعية والأمانة لتحقيق معايير طبية شفافة وناجزة كما فى دول العالم المتقدمة طبيا..؟!