يزور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الشرق الأوسط، فى ظروف صعبة ومعقدة شاركت فيها واشنطن من تصعيد واتساع لجبهات الصراع حيث باتت المنطقة على فوهة بركان بسبب الإصرار الإسرائيلى على استمرار حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة وتحويله إلى اطلال واشلاء وحصار ما تبقى من الفلسطينيين بل والإعلان عن عملية هجوم برى واسع تحت مسمى «عربات جدعون» تستهدف حشر سكان قطاع غزة فى رفح الفلسطينية باتجاه الحدود المصرية وهنا يكمن الخطر الداهم على طبيعة الاحداث القادمة وربما اتساع نطاق الصراع بسبب اطماع وأوهام بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاكثر تطرفًا الذى لا يرى إلا الحفاظ على مكانته ومنصبه السياسى حتى لو أصاب إسرائيل بخسائر واضرار كارثية باتت أمراً واقعاً يعيشه الكيان على كافة الاصعدة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وانقسامًا داخل المجتمع الإسرائيلى بسبب ممارسات حكومة الاحتلال المتطرفة ولم يعد جيش الاحتلال قادرًا وراغبًا فى مواصلة عملياته فى قطاع غزة فى ظل الخسائر واستهداف المقاومة الفلسطينية والذى أكدته العمليات الأخيرة وأيضاً الخبراء العسكريون فى إسرائيل أن المقاومة غيرت تكتيكاتها وباتت أكثر إيلامًا ويحذرون من دفع قوات كبيرة فى غزة لأنها ستكون فى مرمى عمليات المقاومة الفلسطينية وسوف تزيد الخسائر البشرية بشكل غير مسبوق وبالتالى فإن حالة السخط على سياسات وقرارات نتنياهو تزداد وتقول المعارضة إن من فشل على مدار 18 شهرًا فى هزيمة حماس والإفراج عن الأسرى لن يستطيع تحقيق نصر ولو استمر 17 عامًا فى القتال، وهو أيضا ما أكدته الإدارة الأمريكية على لسان الرئيس ترامب.
إن عملية «عربات جدعون» ليست له جدوى ولن تحقق جديدًا وهى أهدار للوقت وهذا يشير إلى وجود شرخ كبير فى العلاقة بين ترامب ونتنياهو خاصة فى ظل الاشارات الكثيرة فى الفترة الأخيرة منها الاتفاق مع حماس على الافراج عن الأسير الأمريكى الإسرائيلى «الكسندر عيدان» دون علم تل أبيب ثم الاتفاق مع الحوثيين على وقف الاستهداف المتبادل وهو على غير رغبة نتنياهو وحلفائه المتطرفين، وبدليل استمرار الهجوم الإسرائيلى على اليمن خاصة الموانئ وأيضاً الحديث عن وجود اتصالات بين واشنطن وحماس دون علم إسرائيل وما أعلنه ترامب بالإعلان عن مفاجأة ربما ترتبط بتسوية أو اتفاق فى غزة خاصة أن ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط فى إسرائيل قبل زيارة ترامب للشرق الأوسط.
ترامب يأتى إلى الشرق الأوسط فى ظروف وأجواء مشتعلة ليس الوضع فى غزة أو فلسطين فحسب ولكن أيضا مصير المفاوضات مع إيران وسط تهديدات أمريكية فى حالة فشل الجولة الحالية من المفاوضات كذلك الأوضاع فى السودان ولبنان وسوريا واستمرار الاوضاع أو الأزمة الليبية لكن الأخطر والذى ربما يعطى بادرة أمل فى تغيير سياسات الأمريكان ووجود نية لديهم لخفض التوترات والتصعيد واستعادة الاستقرار للمنطقة أن كل تصورات ورهانات السيد ترامب منذ عودته للبيت الأبيض فى يناير الماضى خاسرة ولم تنجح مخططات واشنطن أو تلك التى تشارك فيها مع تل أبيب وهناك حسابات وشعور عام فى الولايات المتحدة كتب عنه الكاتب الأمريكى اليهودى توماس فريدمان أن إسرائيل تتسبب فى الاضرار بالمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط وخسارة حلفاء هم الأهم لواشنطن وأن هناك أزمة أو مشكلة حتى ولو عابرة لكنها موجودة تتطلب من الإدارة الأمريكية مراجعات وصلت إلى الاعتقاد بأن نتنياهو لا يبحث إلا عن مصالحه والاضرار بالمصالح الأمريكية وأن حكومته لا تتعامل بما يليق مع الإدارة الأمريكية وكذلك التسريبات عن وجود جاسوس فى الإدارة الأمريكية يعمل لصالح نتنياهو أو إسرائيل وتشير الاتهامات إلى مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق الذى عزله مؤخرًا وعين بدلاً منه وزير الخارجية روبيو مع احتفاظه بحقيبة الخارجية لحين تعيين مستشار جديد للأمن القومى الأمريكى كل ذلك يشير إلى أن ترامب قرر أن يعمل بمفرده دون النظر إلى رغبات ومعلومات ومطالب نتنياهو.
ترامب شخصية براجماتية تبحث عن المصالح والصفقات خاصة الاقتصادية والاستثمارية فهو يرفع لافتة أمريكا أولاً ويرى أن البعد الاقتصادى سيعيد إليه زخم التأييد الشعبى وهو ما سيحققه بنفسه خلال زيارته للشرق الأوسط كما أن تراجع الموقف الأمريكى تجاه رفع الرسوم الجمركية مع الصين يعزز هذه البراجماتية والحديث عن وجود مفاوضات واتفاق بين واشنطن وبكين خاصة أن الصين أعلنت عقب صدور قرارات رفع الرسوم الجمركية على منتجاتها شعار «يا قاتل يا مقتول» وتجهزت لكافة السيناريوهات واستعدت لتحمل كافة النتائج وبالتالى أوجعت الإدارة الأمريكية التى تراجعت بالفعل كما أن الصعود الصينى المستمر وكسب حلفاء جدد وتبنى سياسات هادئة لا تتدخل فى شئون الدول الداخلية ولا تتعارض مع القوانين والشرعية الدولية ولكن تفتح أبوابها للصداقة والشراكة وفق حسابات ومبادئ مرحب بها وتحفظ للشركاء سيادتهم وتحقق تطلعاتهم ومصالحهم لذلك فالتمدد الصينى بات يضرب بقوة على حساب المصالح والنفوذ الأمريكى الذى باتت الدول وحتى شركاء أمريكا يضيقون بها ذرعًا.
اتوقع أن تكون زيارة ترامب للشرق الأوسط فيها ثمة تراجع عن الكثير من سياساته وستظهر براجماتية ترامب بشكل واضح على الصعيد السياسى والاقتصادى والاستثمارى فلا مانع لديه من المشاركة فى تسوية الصراعات طالما أن أمريكا تكسب وأيضا هو مطالب بمراجعة سياساته حول العديد من القضايا خاصة القضية الفلسطينية ومخطط التهجير والعدوان الإسرائيلى على غزة وأيضا استعادة زخم العلاقات مع القاهرة التى قلبت الطاولة فى وجه المخطط وكانت وما زالت عصية لم تنكسر أمام أى قوة فى العالم وفى ظنى أن «مصر ــ السيسى» هى السبب الرئيسى والأساسى فى مراجعة الأمريكان لسياساتهم وفقا لدراسات وتحليلات ونصائح المؤسسات الأمريكية سواء البنتاجون أو جزء كبير فى الإدارة الأمريكية أن مصر «لن تركع» بالإضافة إلى تحركات القاهرة العبقرية وتوجهات الدبلوماسية الرئاسية والتى كان من شأنها إجبار الجميع على إعادة حساباتهم ومراجعة سياساتهم وبالتالى لا مفر من استعطاف القاهرة وعدم المساس برؤيتها وثوابتها وخطوطها الحمراء فلن تكون تصفية للقضية الفلسطينية ولن يكون هناك تهجير للفلسطينيين سواء لمصر أو غيرها وسوف تدخل المساعدات الإنسانية من معبر رفح وربما هناك اشارات من ترامب قبيل زيارته للشرق الأوسط.