كتبت كثيراً عن الحمقى والأغبياء حتى ظن البعض أننى بصدد إعداد كتاب يجمع بين دفتيه قصصا وحكايات عن هؤلاء الذين عايشتهم وتعاملت معهم، وكانت الحماقة مذهبهم الراسخ ومسلكهم الوحيد، وكلما حاولت ألا أعير هؤلاء بعضا من انتباهى أو اهتمامى حاصرونى بفيض حماقتهم وغمرونى بغبائهم الإبداعى النادر، هذه الحماقة لم تعد مرتبطة باشخاص وأفراد أو حتى بعض الشخصيات التى تدير بعض المؤسسات هنا أو هناك، بل وصل الأمر إلى حالة حماقة جماعية أو جمعية تجاه مسألة ما فى وقت ما بفعل مخطط أو حتى عشوائي.
> لكنه ينتج سلوكيات حمقاء تؤثر سلباً على المجتمعات التى تظهر فيها، وخلال هذه الفترة الزمنية نشاهد ونتابع موجات من الحماقات على كافة الأصعدة، ولن أشير إلى حالة أو حالات بعينها حتى لا يخرج المقال من سياقه الإصلاحي، فهناك شخوص يتحامقون حتى على أنفسهم وذويهم دون ان ينتبهوا، والمشكلة ان الأحمق لا يعرف انه أحمق، والغبى لا يتخيل نفسه كذلك، بل على العكس فأحدهم ينظر لنفسه على انه حكيم هذا الزمان والآخر يرى أينشتاين يسير على دربه متعلماً ومقلداً، هذا ذكرنى بقصة ربيعة البكاء، الذى اتخذته العرب مثلاً للحماقة.
> وهو ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر ابن صَعْصَعة، ومن حمقه أن أمه كانت تزوَّجَتْ رجلا من بَعْدِ أبيه، فدخل يوما عليها الخباء «الخيمة» وهو رجل قد الْتَحَى «ظهرت لحيته» فرأى أُمَّهُ وزوجها، فتوهَّم أنه يريد قتلها، فرفَع صوته بالبكاء والصراخ، وقال: وا أماه، فلحِقه أهلُ الحيِّ أجمعين وقالوا: ما وراءك يا ربيعة؟ قال: دخلت الخِباء فصادفْتُ فلانا يريد قتل أمى، فقالوا: قبحك الله يا ربيعه وسود وجهك، فضحت أمك بحماقتك، زوجة وزوجها تفضحهما حماقة ابنها.
> فذهبت مثلاً، وسمى ربيعة البَكَّاء، فضُرب بحُمْقه المثل، انتهت قصة ربيعة وبقيت دلالتها، فكم ربيعة موجوداً فى حياتنا وفى أعمالنا وفى دروبنا؟ لا أخشى من غضب الحكماء ولا تقلب مزاجية العقلاء، فهؤلاء جميعا لديهم خطوط فاصلة بين الأشياء كبيرها وصغيرها، وستكون قراراتهم وأحكامهم غير مدمرة، وبالطبع يمكن بقليل من التركيز توقع سلوكيات العقلاء فقط لأنهم عقلاء والعاقل يستطيع توقع سلوك العاقل لأن المعادلات واحدة، لكن الأغبياء والحمقى يتصرفون دون عقل ودون تفكير ودون وجود خطوط حمراء.
> ولا يمكن توقع سلوكياتهم فقط لأنهم لا يفكرون بمنطق أو عقل، والمفاجأة انهم هم انفسهم لا يستطيعون معرفة ما سيفعلونه بعد دقيقة واحدة، يقول الكاتب جيمس ويلز فى كتابه – فهم الغباء- فيقول إن الغبى غير قادر على التكيف ويتصرف بطريقة تمنعه من فهم ما يدور حوله من الحقائق الجديدة، والمتغيرات الحاصلة فالغباء إذن هو سلوك يهزم صاحبه فلا يكتسب أى فائدة من خلال التصرف بطريقة غبية، لكن الحقيقة أننا نتحدث عن الغباء ومعتنقيه وأصحابه دون أن نفكر فى الإجابة على السؤال الأهم وهو كيف نتعامل مع المواقف الغبية لهؤلاء؟
> ليست هناك مدونة سلوك واضحة متفق عليها للتعامل مع الأغبياء حتى الآن، لكن علينا الا ننسى أن هناك من الأغبياء من يصنعون التاريخ، فصناع التاريخ أكثرهم من الأغبياء لذلك وجب علينا البحث والتدقيق فى كيفية فهم غباء الأغبياء فنحن فى حاجة ماسة لكود الحماقة والغباء، بيد أننى حاولت وضع كود لنفسى فى التعامل مع بعض الحمقى والموتورين والمغرورين، لا تجادل الحمقى ولا تغامر بتهدئة الغاضبين ولا تراهن على حكمة العقلاء ولا تختبر صبر المحبين.
> وإياك إياك أن تجالس التافهين المتكبرين الذين يظنون أنفسهم نموراً وأسوداً وهم فى حقيقتهم نعاج هزيلة لا تقوى حتى على تحريك ليتها أو حماية نفسها، حذارى من الإفراط فى الثقة فيمن لا يتفقهون ويبحرون فى علوم الرجولة والمروءة والسمو، ابتعد فوراً عن هؤلاء القابعين فى القاع يتلذذون بلعق أحذية الآخرين.. كل الأخرين ، وعن أولئك المبتسمين فى وجهك زوراً وبهتاناً وهم يضمرون لك الكراهية والأحقاد، أغرب بوجهك فوراً عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون طريقا للرضا والقناعة.