فاز الكاتب محمد سمير ندا بجائزة البوكر العالمية لعام 2025 فى دورتها الثامنة عشرة ليصبح الكاتب المصرى الثالث الذى يفوز بالجائزة بعد غياب خمسة عشر عاما، «صلاة القلق» هى الرواية الثالثة لسمير ندا بعد روايتيه «مليكة»، «بوح الجدران».
وقد قدم ندا فى «صلاة القلق» مغامرة خلطت بين الحكاية التاريخية والفانتازيا، سجلت حكاية قرية معزولة فى فترة حرجة من تاريخ مصر سردها بلغة مميزة وخيال رائع وكتابة أثارت الكثير من الجدل واستحقت الجائزة.
وربما ليس مدهشا أن يصرح المؤلف فى حواره معنا أن فوزه مفاجأة كبيرة لم يكن يتوقعها لكن المدهش فعلا ذلك الجدل الذى اندلع بين المتابعين من الكتاب والصحفيين والقراء على السوشيال ميديا بعد إعلان النتيجة حول إذا ما كان هذا فوز الكاتب يحسب له بشكل شخصى أم لاسم بلده أيضا وفى حوارنا يجيبنا الكاتب الفائز بالإجابة من وجهة نظره ويطلعنا على الكثير من أسرار وكواليس روايته الفائزة بالبوكر 2025.
> حدثنا عن كواليس كتابة الرواية وهل استغرقت وقتا طويلا فى الكتابة والمراجعة، وهل استعنت بآراء أصدقاء قبل دفعها للنشر؟
>> وُلدت فكرة الرواية سنة 2017 أو 2018، وتنقلت بين أكثر من جنس أدبى حتى استقرت على كونها رواية، أنفقت فى كتابتها ثلاث سنوات، ثم أمضيت قرابة العام فى التحرير والمراجعة والتدقيق. وبالفعل قد استعنت بآراء الكثيرين من الأصدقاء الكتاب والقراء، واستفدت كثيرًا بملاحظاتهم، لذلك حرصت على توجيه الشكر لهم فى نهاية الرواية.
> هل توقعت للرواية كل هذا الانتشار حتى قبل أن تفوز بالبوكر؟
>> فى ما يخص الانتشار قبل الجائزة، فهذا أمر أسعدنى بقدر ما فاجأني، لم أتوقع بصراحة، اعتقدت أن حظوظ الرواية من المقروئية محدودة، ولكننى كنت محظوظًا بالقراء، خصوصًا فى أندية القراءة والمجموعات القرائية على مواقع التواصل، فاق الأمر أفضل توقعاتي. طبعًا عقب ظهور الرواية فى قائمة البوكر الطويلة، تضاعف الأمر وتنامى بطريقة أخافتنى لكى أكون صادقًا.
> لماذا فضلت المزج بين الفانتازيا والفكرة الواقعية؟
>> هو خيار فنى وجدته الأنسب للفكرة الذى ظلت تلح على لفترة طويلة، وقد حالفنى التوفيق كثيرًا إذ نالت تقنيّات النص استحسان القراء ولجنة التحكيم على حد سواء.
> ألا تتفق معى أن روايتك تحيل القارئ لروايات عالمية مثل «مئة عام من العزلة» لماركيز، او كتابة هاروكى موراكامى فى «كافكا على الشاطئ» وغيرها، حدث غامض وحكاية بشر يتأثرون بما حدث بأشكال مختلفة وكلها أعمال لاقت نجاحا وانتشارا؟
>> بصراحة أنا لم أقرأ كل الأعمال التى أشرتِ لها، ولكن أتفق معك طبعًا أن الفكرة ربما طُرقت فى روايات كثيرة عربيًّا وعالميًّا، ربما أيضا لأن الهم الإنسانى واحد، والأنظمة الشمولية تتجدد وتتوالد على مدار التاريخ فى العالم بأسره. وأتوقع أن الفكرة ذاتها سوف تظل قابلة للكتابة مرات ومرات.
> لكن لدينا كتّاب فى مصر والعالم العربى يقدمون ذلك أيضا وأكثر لكن الفجوة واسعة بين مستوى الانتشار والتلقى لماذا ذلك فى رأيك؟
>> لا أستطيع تحديد السبب وربما يتعلق الأمر بالشق التحريرى للنصوص، وبالحرص على رعاية المواهب، علاوة على عنصر التوفيق بالطبع، وكذلك مدى الالتفات النقدى للنصوص بين الاهتمام والإهمال.
استخدامك الأصوات فى الرواية تقنية متميزة وصعبة لأنها تحتاج لغة مختلفة ومنطقاً واضحاً ومختلفاً لكل شخصية. أظنها تحتاج شجاعة وتمرس ما رأيك فى ذلك ولماذا أخترتها فى كتابة روايتك؟
وجدت أنه من الضرورى عرض وجهات نظر مختلفة حيال الحدث ذاته، والحالة ذاتها، لم تكن لغة الشخوص فى صلاة القلق مختلفة، ولهذا تفسير سيتضح فى ختام النص، لكن المنطق والرؤية متباينان بين الشخصيّات الثمان، وكذلك الراوى العليم الذى يمر بين الفصول بين آن وآخر، هل كان هذا الخيار شجاعًا؟ بصراحة لا أعرف! إذ أننى لم أتوقع كل ما جرى ويجرى الآن.
> حدثنى عن شعورك بالفوز، وهل ترى أن الفوز بجائزة أدبية كبيرة مثل البوكر نصر شخصى للكاتب أم يتخطى ذلك للانتماء لبلده وقد حدث جدال كبير على السوشيال ميديا حول مسألة انتماء العمل وهوية الكاتب ولعلك تابعت؟
>> نعم تابعت بالفعل وأرى أن رواية كتبها كاتب مصرى وفازت بجائزة عربيّة كبيرة، بالتأكيد؛ لا يمكن أن ننتزع هوية الكاتب ونفصلها عن الرواية، فهذه الجائزة تنسب للكاتب ولبلده وهذا أمر طبيعي، وعلى الصعيد الشخصى أشعر بامتنان كبير للقراء وللجنة التحكيم، لا أبالغ فأقول انتصارًا لأننا لسنا فى سباق خيول، ولكن هو تكريم عظيم لم أتوقع أن أناله فى هذه المرحلة المبكرة من الكتابة.
> والدك الكاتب الكبير الراحل «سمير ندا» أعرف بشكل ما أنه منذ ترشحك للقائمة الطويلة هناك تواصل ما بينكما، ماذا قال لك، وما الذى أخبرته به أنت. وهل لذلك علاقة باختيارك كلمة الفوز بجمله تخصه؟
>> كان حديثنا عن الجدوي، والمقصود بالجدوى هنا ليس الشق المالي، بل أن يشعر الكاتب بقيمة ما يكتب، وبأن الرسالة التى يحاول إيصالها لقرائه قد حظت بالمقروئية التى تمناها، وهو ما تسببه الجوائز، أى تسليط الضوء على نص أدبى ما. أعتقد أن سمير ندا ما زال يسكنني، رأيته وتصورته فى أكثر من مناسبة منذ إعلان القائمة الطويلة، قد أُتهم بالمبالغة أو حتى الجنون فى إثر هذه الكلمات، لكننى لن أتراجع عنها، هذا الرجل ظل حريصًا على مرافقتى والاهتمام بى خلال الشهور الأخيرة، وكم كانت سعادتى جمّة إذ اقترن اسمانا فى شهادة الجائزة، فهذه فقط جزء من حقه الذى حرم منه خلال حياته، ولذات السبب وجهت كلمتى له على المسرح، علمًا بأن الكلمة جاءت عفويّة، فلم يسبق لى تحضيرها، وما زلت حتى هذه اللحظة أشعر بالدهشة حين أشاهد نفسى على المسرح، وأتعجب لما قلته ذات نشوة لن أنساها.