من المؤكد أن الحديث عن السلام فى الشرق قد بات بعد كل هذه السنوات من الكر والفر بين الإسرائيلين ذلك الجسد الغريب الذى تم زرعه فى المنطقة والذى لم يستطع أن يتحمله الجسد العربى إذ منذ أن زرع كان مصدراً للقلق والتوتر لا سيما منذ وعد بلفور المزعوم إذ من لا يملك أعطى لمن لا يستحق.. لقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط التى وصفها هنرى كيسنجر بمنطقة الشراك الخداعية التى إذ لم تتوخ فيها الأقدام الحذر سرعان ما تنزلق إلى هوة سحيقة يصعب الخروج منها وتلك هى الحقيقة التى تأكدت عبر عمر الصراع الطويل.. تلك الحقيقة توصل إليها هنرى كيسنجر فى أعقاب حدوث طوفان الأقصى وهو أن السياسة التى كان يتبعها فى المنطقة لم تنجح بل كانت محل انتقاد من العديد من الكتاب إذ كانت مجرد محاولة لكسب الوقت وليس لتقديم حلول حقيقية ومن المعروف أنه كلما طال عمر الصراع يصبح من الصعب حله.. من بين تلك الحقائق التى تتعلق بالصراع العربى الفلسطينى هى أنه صراع وجودى لا يمكن التوصل فيه إلى حل وسط إذ وصفه د.حامد ربيع استاذ النظرية السياسية بأنه لابد وأن ينتهى باختفاء أحد الطرفين لصالح الطرف الآخر.. تلك الحقيقة يسردها لنا المؤرخ الإسرائيلى بينى موريس فى مقاله بعنوان لا فرصة للسلام؟ إذ كان أول من أجبر بلاده على القيام بدورها فى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين عنوة.. ومن المفارقات أنه قد تم سجنه لرفضه أداء الخدمة العسكرية فى الضفة الغربية بيد أنه قد تحول عن موقفه مع اشتداد دائرة العنف فى الشرق الأوسط حيث شن هجوماً شرساً على ياسر عرفات واصفاً إياه بالكاذب المتأصل وأن التعايش السلمى أصبح مستحيلاً.. واستطرد موريس قائلاً: مع وجود دولة فلسطينية بدا أن الفلسطينيين قد تخلوا عن حلمهم وهدفهم منذ عقود بتدمير الدولة اليهودية وأصبحت الحلول لا محل لها إذ تخلى الإسرائيليون عن الدولة الكبرى التى تمتد من البحر الأبيض إلى نهر الأردن.. وقد إستطرد موريس قائلاً: لقد كان ذلك التفاؤل على حد تعبيره مجالاً للعديد من الشكوك الخطيرة وقد تحول إلى حالة من التشاؤم إذ رفض السوريون صفقة إسحاق رابين وشيمون بيريز للانسحاب من الجولان مقابل معاهدة سلام كاملة.. وذكر موريس قائلاً: من اللافت للنظر هو وجود صورة للمحارب صلاح الدين الذى هزم الصليبيين على أحد جدران مكتب عائلة الرئيس الأسد متصوراً أن الأب وهو على فراش الموت قال لابنه مهما فعلت لا تصالح اليهود فهم مثلهم مثل الصليبيين إلى زاوال أيضاً.. من خلال عقد المقارنة يرى موريس أن الصراع فى الشرق قد أزهق أرواحــاً لا حصر لها مستحضراً فى ذهنه المشاهد التى وصفها بالمروعة فى السابع من أكتوبر 2023 فى محاولة للمراوغة والتضليل إذ أن عمليات الإبادة الجماعية التى حدثت فى غزة لم يوجد مثيلها فى التاريخ القديم والحديث.. لقد تناسى موريس مذابح صابراً وشتيلا وبحر البقر والتى لا تضاهى تلك المجزرة التى ما زالت متواصلة فى غزة حتى يومنا هذا والتى وصفت بأنها لا يوجد مثلها فى التاريخ ليس فقط من حيث كم الدمار ولكن عدد القتلى الذى تجاوز 50 ألفاً والمصابين 114 ألفاً.. من منظور د.حامد ربيع استاذ النظرية السياسية أن ذلك الصراع ليس مجرد اقتطاع جزء من الأرض أو حتى منع العالم العربى من تحقيق وحدته ولا حتى مجرد السعى لتفتيت الحضارة العربية بل للاستيعاب الكلى والكامل للوجود الحضارى فى المنطقة.