حدث ذلك قبل سنوات.. ذهبت مع صديق الى احد موانئ مدن القناة لاستلام سيارة قام بشحنها من الدولة الخليجية التى كان يعمل بها.. وبعد دفع الرسوم اقترح احد الاشخاص استئجار لوحة ارقام مؤقتة للسير بالسيارة حتى القاهرة والى انتهاء الترخيص والحصول على نمر دائمة.. وقال ان المرور لو ضبط السيارة تسير بدون نمر فسوف يحرر مخالفة وقد يصل الامر الى احتجاز السيارة.. وبعد دفع ثمن استئجار النمر طلب منا صاحبها التوقيع على ايصال امانة على بياض بحجة ان السيارة قد تتسبب فى حادث او تخالف المرور وان الايصال لضمان دفع قيمة المخالفات.
ايصال امانة على بياض.. ايصال امانة غير محدد القيمة.. ايصال امانة قد يكتب فيه رقم ضخم ويتحول الى قضية تبديد امانة وحكم مؤكد بالحبس.. ايصال امانة قد يتسبب فى كارثة.. رفض صديقى وسرنا بالسيارة بدون نمر حتى القاهرة ومنها الى ادارة المرور للترخيص وانتهت الاجراءات بسلام.
كان واضحا من كلام صاحب عرض النمر وايصال الامانة انه معتاد على قبول البعض لشروطه المجحفة ولعل هذا يفسر سر دهشته من رفض صديقى لعرضه غير المغري.. وكان السؤال الحائر هل هناك اشخاص يقبلون توقيع ايصالات امانة بيضاء لأى سبب كان ليصبحوا تحت رحمة من يحمل الايصال؟.. واكتشفت مصادفة ان معظم الغارمات والغارمين من نزلاء السجون هم ضحايا هذه الايصالات التى وقعوها تحت تأثير الحاجة.. وان معظمهم لم يحصل على بضائع كما فى القضايا التى رفعت ضدهم ولكن حصلوا على مبالغ مالية بفوائد ربوية مخيفة.. وان بعض اصحاب المعارض من منعدمى الضمير وممن لا يخشون الله ولا يهمهم سوى الكسب الحرام تحولوا الى مرابين يقرضون الاموال ويسترجعوها اضعافا مضاعفة.
هده الحقائق كشفتها واقعة مؤسفة حدثت وقائعها فى مدينة الاسكندرية.. طلب احد الاشخاص من شقيقته التى لا تعمل ولا مصدر دخل لها وتعيش على معاش زوجها المتقاعد وهو لا يكفى اجرة الشقة المؤجرة بنظام القانون الجديد ناهيك عن متطلبات الحياة الاخرى لها ولابنها الوحيد.. ان تضمنه عند صاحب معرض ادوات منزلية حيث سيحصل منه على بضائع بالتقسيط ويحتاج الى ضامن.. واقسم لها بأغلظ الايمان انه سيسدد الاقساط فى موعدها.. وذهبت معه ووقعت على اوراق بيضاء عرفت فيما بعد انها ايصالات امانة.. ولم يسدد شقيقها الاقساط واختفى تماما تاركا زوجته وابناءه بلا مورد.. وهنا وقعت الكارثة.. جاءها اخطار من محامى المعرض برفع دعوى قضائية عليها وعلى شقيقها المختفي.. واصبحت مهددة بالسجن واصبح ابنها مهددا بالضياع واصبحت اسرتها مهددة بالتشرد.. وهنا يجب ان تكون لنا وقفة.
كيف قبل صاحب المعرض الجشع المرابى ان تكون ضامنة القرض سيدة بلا عمل ولا مصدر دخل ولا تستطيع ان تضمن مصروفها الشهري.. على أى اساس قبل ضمانتها وهو يعلم علم اليقين انها لن تستطيع سداد الاقساط حال تخلف شقيقها عن ذلك.. والاجابة عنده وعند امثاله من المرابين هى السجن والتشريد.. لقد اصبح مثل هؤلاء التجار المرابين البديل غير الشرعى للبنوك التى تضع شروطا معينة للحصول على قرض وشروطا اخرى شديدة الصرامة على من يضمن المقترض..
نحن فى حاجة اولا الى تعديل قانونى يضع شروطا للضامن على المقرض ان يتأكد منها.. وتعديل المواد القانونية الخاصة بايصالات الامانة التى لا علاقة لها بالامانة والتى اصبحت تستغل اسوأ استغلال فى الاقراض وفى الزواج وفى ضمان القروض وفى شراء البضائع ونمر السيارات المؤقتة.. وثانيا اتمنى من الدولة التى ترعى البسطاء وتكفلهم ان توفر صندوقا لاقراض من لا يملكون دخلا ثابتا ولا ضمانات للسداد بعد التأكد من ظروفهم ودوافع اقتراضهم.. حتى لا يقع هؤلاء ضحايا مرابين لا ضمير لهم ولا أخلاق.