فى جامعة هليوبوليس دعينا لمؤتمر صحفي.. على غير العادة وجدنا عشرات المزارعين البسطاء بزيهم التقليدى يملأون جنبات الجامعة ويتنقلون بين قاعاتها وحدائقها وردهاتها.. فى البداية فسرنا ذلك المشهد الغريب وغير المعتاد بان الجامعة قد تحتفل فى هذا اليوم بتخريج دفعة جديدة من طلابها ومن الطبيعى بل والضرورى أن يتواجد الآباء مع ابنائهم فى هذه المناسبة التاريخية فى حياتهم ليشاركوهم فرحتهم باتمام الدراسة الجامعية والانتقال إلى فصل حديد ومشرق فى حياتهم.. لكن عدنا وتسائلنا.. وهل كل الآباء مزارعين فقط.. أين باقى الفئات.. أطباء مهندسين علماء موظفين.. وهكذا.. وظل خيالنا يسبح فى دائرة الاحتمالات والتكهنات إلى أن جاءنا الدكتور حلمى أبوالعيش رئيس مجلس أمناء الجامعة ليرحب بنا ويقول: أهلاً بكم فى منتدى «شهادات الكربون واقتصاد المحبة من أجل التنمية الثقافية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر» والذى تستضيفه الجمعية المصرية للزراعة الحيوية بالتعاون مع مبادرة «اقتصاد المحبة» وجامعة هليوبوليس للتنمية المستدامة.
شخصيات حكومية ورقابية بارزة حرصوا على حضور المنتدى على رأسهم الدكتور محمد فريد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، واللواء الدكتور عبدالفتاح محمد سراج، محافظ سوهاج، واللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط ،واللواء علاء إبراهيم عبدالمعطى محافظ كفر الشيخ وحازم محمد جودة الديب، نائب محافظ البحيرة.. وطبعاً حضور محافظى سوهاج واسيوط وكفر الشيخ والبحيرة جاء بسبب تطبيق التجربة فى تلك المحافظات الأربع فى المرحلة الأولى وسيتم تعميم التجربة على نطاق واسع فى المستقبل القريب ليشمل محافظات أخري.
ثم سألنا الدكتور أبوالعيش: وما سر وجود هذا العدد الكبير من الفلاحين والذين تبدو من ملامحهم وملابسهم أنهم جاءوا من محافظات عدة من الصعيد والدلتا؟ ابتسم أبوالعيش ثم قال: فعلا لقد وجهنا الدعوة إلى هؤلاء المزارعين الجدعان لحضور فعاليات المنتدى للاحتفال بـهم كـ «أبطال المناخ»، وهم المزارعين الذين أظهروا التزاماً استثنائياً بعمليات عزل الكربون وتطبيق ممارسات الزراعة الحيوية المستدامة وفقًا لمعيار «اقتصاد المحبة».. وهؤلاء المزارعون يمثلون العمود الفقرى لمبادرات رائدة مثل مشروع «تشجير الصحراء»، الهادف إلى تحويل الأراضى القاحلة إلى نظم بيئية مزدهرة عبر ممارسات زراعية مستدامة.
وداخل الجلسات الحوارية حضر «أبطال المناخ» بقوة وإيجابية حيث تناول المحاضرون والمتخصصون بشكل مباشر كيفية تطبيق معيار «اقتصاد المحبة»، و شهادات الكربون لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز الممارسات المستدامة القائمة على الزراعة الحيوية، والتجارة العادلة، والعدالة الاجتماعية.. وحضروا أيضاً جلسات تفاعلية، تضمنت تعريفا بشهادات الكربون، كيفية إصدارها، ودور جهات التحقيق والمصادقة. كما تم استعراض دور شهادات الكربون فى التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعوائد المرتبطة بها، وأثرها فى التنمية المجتمعية.
وقال حلمى أبوالعيش وريث حلم «اقتصاد المحبة» عن والده رائد التنمية المستدامة الدكتور إبراهيم أبوالعيش إننا فى «سيكم» نؤمن بالنهج الشامل للاستدامة، الذى يوازن بين الاقتصاد والبيئة والثقافة والرفاه الاجتماعى ويعكس هذا المنتدى إيماننا بأن شهادات الكربون واقتصاد المحبة ليستا مجرد أدوات بيئية، بل مسارات لتمكين المجتمعات وإحداث تغيير منهجي».
لم يكن المنتدى حدثاً محلياً لكنه اتسم بالعالمية حيث شارك فيه العديد من الشخصيات والخبراء من أنحاء العالم جاءوا لينقلوا تجاربهم فى الزراعات الحيوية وكيف يمكن لمصر أن تحقق نجاحات كبيرة فى هذا المجال الهام والواعد خاصة وأن كل مقومات النجاح متوفرة مثل الأرض والمناخ ووعى وعراقة الفلاح المصري.. ومن هؤلاء الضيوف يوستوس هارم، المدير التنفيذى المشارك للجمعية المصرية للزراعة الحيوية حول المنتدى والذى عبر عن سعادته بتكريم المزارعين المصريين وقال إن الاحتفاء بمزارعينا خلال المنتدى بصفتهم أبطال المناخ يسلط الضوء على تأثير الزراعة الحيوية فى معالجة قضايا تغير المناخ.وخلال الاستراحة بين الجلسات تحدثت مع بعض المزارعين والذين تتنوع اعمارهم وثقافاتهم وطبيعة مؤهلاتهم ودراساتهم فمنهم الأب كبير السن والأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب.. ومنهم الحاصل على المؤهل المتوسط ومنهم صاحب المؤهل العالى والموظف.. وجدتهم فى غاية الحماس والإيمان بالفكرة والفلسفة.. بعضهم حدثنى عن الدكتور إبراهيم أبوالعيش نفسه صاحب مبادرة سيكم فى الصحراء المصرية والتى انطلقت فى عام 1977، وقال بعض المزارعين إنهم قاموا بزيارات ميدانية إلى مزارع مجموعة سيكم فى بلبيس والواحات البحرية وشاهدوا بأنفسهم عمليات إنتاج ومعالجة وتسويق الأغذية العضوية والحيوية والمنسوجات والأدوية العشبية فى مصر ويصدر بعضها إلى الأسواق العالمية.
وفى الختام دعا «أبطال المناخ» كل مزارعى مصر للانضمام إلى مبادرة الزراعة الحيوية للحفاظ على البيئة وفى نفس الوقت زيادة الانتاج والعائد من زراعة أراضيهم.. أما السيد حلمى أبوالعيش فقال إنه مع استحالة وفاء القوى الصناعية الكبرى بوعودهم التى قطعوها على أنفسهم فى مؤتمر باريس للمناخ بالتخلص من الصناعات الكربونية.. فلم يعد لدينا خيار آخر سوى زيادة المساحات الخضراء وتطبيق الزراعات الحيوية حتى نحافظ على البيئة العالمية من أجل الأجيال القادمة.