الشائعاتُ مرضٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ يخلّفُ وراءه أضراراً كثيرةً فرديةً وجماعيةً، وإلى اليوم لم ينجح الإنسانُ فى ابتكارِ علاجٍ أو لقاحٍ لهذا الداء. فلا تكادُ تشرقُ شمسُ يومٍ جديدٍ إلا وتُطلُّ علينا شائعةٌ تُسقَى بماءِ الكذبِ وضعفِ الوعى، فلا تُثمرُ سوى الشوكَ المسمومَ الذى يُدمى الأرواحَ قبلَ الأجساد.
تُعدُّ الشائعاتُ سلاحاً فتاكاً يُدمِّرُ المجتمعاتِ والأفرادَ، فكم أزهقتْ من أرواحٍ بريئةٍ، وحطَّمتْ من عظماءَ، وأشعلتْ فتيلَ الجرائمِ، وقطعتْ أواصرَ العلاقاتِ، بل وهزمتْ جيوشاً عظيمةً عبرَ التاريخ! وتكمنُ خطورتُها فى قدرتها على تفتيتِ النسيجِ الاجتماعى، وهدمِ وحدةِ الصفِّ، وإثارةِ الفتنةِ بين الآراء، حتى يصيرَ المجتمعُ الواحدُ أشلاءً متناثرةً. كما تُهاجمُ الشائعاتُ العقلَ البشريَّ بأساليبَ ملتويةٍ، فتزرعُ الأكاذيبَ والأفكارَ الهدّامةَ، وتجعلُ الإنسانَ حائراً بين التصديقِ والتكذيبِ، كأنما يُقذفُ به فى بحرٍ من الشكِّ لا ساحلَ له.
والشائعةُ -بتعريفها- خبرٌ مجهولُ المصدرِ، يتلقفُه بعضُ الناسِ ليجعلوه مطيةً يصولونَ ويجولونَ بها فى المجالسِ، سعياً للفتِ الأنظارِ أو إثارةِ الفوضى. وقد تتفوقُ الشائعاتُ فى سرعةِ انتشارِها على الأخبارِ الحقيقيةِ، خاصةً إذا صدرتْ عن شخصٍ مُحنَّكٍ فى نسجِ الأكاذيبِ وإخفاءِ الحقائقِ.
سهلةُ الإطلاقِ صعبةُ الإيقافِ، تنتشرُ كالنارِ فى الهشيمِ، وتطيرُ بسرعةِ الصوتِ والضوءِ! ويُسهمُ فى تفاقمِ خطرِها أناسٌ يُقدِّمونَ «المشاركةَ فى الحديثِ» على «صحةِ المعلومةِ»، فيُضفونَ على الشائعةِ تأييداً وزياداتٍ وهميةً، وكأنهم يُباركونَ نقلَها دونَ وعيٍ بالعواقبِ.
إنها مرضٌ اجتماعيٌّ قاتلٌ، تُغذيه أقوالُ السوءِ، وكثرةُ التساؤلاتِ . فإذا سمعتَ عبارةَ «الناسُ بتقول…» فاعلمْ أنك أمامَ خبرٍ مجهولِ الهويةِ، وما كانَ مصدرُه مجهولاً فلا تصدقْهُ ولا تُسلِّمْ به. الحقيقةُ وحدَها هى ما عاينتَه بعينيكَ، أو ثبتَ بدليلٍ ماديٍّ موضوعيٍّ، أو صدرَ من مصدرٍ موثوقٍ.
ولنتذكرْ قولَ اللهِ تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات: 6.
فمن يُروِّجُ الشائعاتِ كالفاسقِ الذى يحملُ أنباءَ الزورِ، يُدمِّرُ بلسانِه ما لا تستطيعُ النيرانُ إحراقَه.