«إن تناقضا آخر يدخل فى سياق ثقافى لا يمكن تجاهله عند المقارنة بين مترو القاهرة ومترو نيويورك، وهو تناقض أوجدته الغطرسة الأمريكية الأسطورية التى تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تعلن دائما أنها من دول العالم الأول وليس لديها الكثير لتتعلمه من أى دولة أخرى على المستوى العالمي»، هكذا قال الكاتب الأمريكى كوستا بيفين باباس فى ختام مقاله قبل أيام بمجلة نيوزويك الأمريكية الشهيرة تحت عنوان «ماذا يمكن لنيويورك أن تتعلم من نظام مترو القاهرة؟»والذى قارن فيه بين مترو أنفاق القاهرة ومترو نيويورك وكانت محصلة مقارنته أن مترو القاهرة تفوق بكثير على مترو نيويورك فى كل شيء.
كوستا بيفين باباس كاتب ومؤلف أمريكى شاب من أصل يونانى ولد فى لاس فيجاس ونشأ فى جنوب كاليفورنيا، وتخرج فى الجامعة الأمريكية فى واشنطن العاصمة بدرجة علمية فى الصحافة والكتابة الإبداعية، وهو عضو فى دائرة نقاد الكتاب الوطنية، تنشر مقالاته فى أكثر من صحيفة ومجلة حول العالم منها «نيوزويك» و»بيزنس إينسايدر» و»الأوبزرفر»، وأماكن أخري، يركز فى كتاباته دائما على القصص الإبداعية المميزة، ويبدو أن قصته هذه المرة كانت من وعن «قاهرة المعز»، حيث إنه رغم كونه يقيم فى نيويورك إلى أنه كثير القدوم إلى القاهرة على مدار العام، أخذ باباس بأسلوب أقرب إلى «المعايرة» بلغتنا الشعبية يعدد بالتفاصيل والأرقام والمشاهد مميزات تجربة مترو القاهرة، مطالبا الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة تجربة المترو فى مصر ومحاولة تعميمها فى الولايات وبالأخص مترو نيويورك – حيث يقيم – الذى يعانى بحسب قوله مشكلات عدة على صعيد الأمن والتطوير وغير ذلك، ونصح باباس، عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز بالتفكير بجدية فى الأمر، وقارن بين التجربتين، مشيرًا إلى أن ملاحظته المجردة تكشف أن مترو أنفاق نيويورك يعانى مشكلات تتعلق بالسلامة، والثقة ، فبحسب رأيه أدت الزيادة فى جرائم مترو أنفاق نيويورك إلى انخفاض ثقة الجمهور، مما جعل الولاية تضطر مؤخرا إلى نشر الحرس الوطنى فى محاولة لاحتواء الأزمة، وفى المقابل تحدث الكاتب بانبهارعن الجانب الأمنى فى مترو أنفاق القاهرة قائلا إن فحص الحقائب واستخدام أجهزة الكشف عن المعادن، جانبًا روتينيًا فى مترو القاهرة حتى فى المحطات المزدحمة، وأشار إلى إحصائية فى نهاية عام 2022 تقول إن مترو أنفاق القاهرة خدم 3.5 مليون مسافر بينما خدم مترو نيويورك 3.2 مليون مسافر، مذكرا بأنه ليس من اللائق أن تتعلل نيويورك بعدد الركاب، وأبدى الكاتب إعجابا كبيرا بعربة السيدات فى مترو القاهرة مشيرا إلى أنها ليست الزامية للنساء ولكنها تمنع الرجال من الصعود إليها ولو حدث ذلك فهناك غرامة فورية، مشيرا إلى نقطة التفرد فى هذه الميزة والتى تمنح النساء مساحة للراحة ترتبط ليس فقط بالسلامة ولكن بأبعاد ثقافية أو دينية، أوطبية، مؤكدا أنها نموذج جاد لتقدير المرأة ومواجهة كافة أشكال التحرش والعنف الأخرى ضدها، ودعا الكاتب عمدة نيويورك إلى التفكير فى هذه الميزة، قائلا إن افتقار شبكة مترو أنفاق نيويورك إلى الإبداع والتطور كان سببًا فى جعلها عرضة للفشل، وبدلًا من أن يتطور مترو نيويورك مع المشهد الحضري، أصبح كبسولة زمنية لبنية فارغة لم تعد تخدم المجتمع؛ بينما استمر مترو القاهرة وهو الأول من نوعه فى أفريقيا والشرق الأوسط، فى النمو منذ افتتاحه فى عام 1987، وطور خطوطه وضاعفها ووفر آلاف فرص العمل، ووظف السائقات لمكافحة ثقافة النقل التى يهيمن عليها الذكور، فى حين فشل مترو أنفاق نيويورك فى النمو، وشهد مشاكل فى التوظيف، وأشار الكاتب إلى أن الاختلاف الأكبر الذى لاحظه بين وسائل النقل العام فى نيويورك والقاهرة هو العقلية الموجهة للمجتمع فى القاهرة على سبيل المثال التوقيع على بروتوكولات جديدة لضمان وصول أفضل للأشخاص ذوى الإعاقة، والثقافة الإنسانية التى تكسوها الرحمة والتى تترجمها المجاملة المشتركة المتمثلة فى توفير المقاعد للمسنين، وإعادة صياغة قوانين تمنع التدخين فى المواصلات العامة ويؤكد الكاتب أن تجربة الركاب فى مصر أفضل لأن وزارة النقل المصرية والمسئولين يعملون على مساعدة المجتمع بينما الغضب الذى يشهده ركاب مترو الأنفاق فى نيويورك يعكس حال المدينة التى لا يبدى مسئولوها أى اهتمام بالاستثمار فى سلامة أو رفاهية مجتمعها.
لو أن هذا المقال كتبه كاتب مصرى فى صحيفة مصرية لخرج علينا بعضهم من نشطاء «خالف تعرف» واتهمه بـ «التطبيل» والنفاق للسلطة، هذا طبعا بعد أن يتهمه بالجنون، فكيف يجرؤ أن يكتب أن مترو بلاده أفضل من مترو نيويورك؟! لكن يشاء القدر أن ينبهر بتجربة مترو القاهرة كاتب أمريكى معروف، لا تصلح معه مفردة «بيطبل».
الواقع الذى لا يقبل الشك أن بلادنا تغيرت كثيراً للأفضل على صعيد البناء والتنمية وعلينا أن نصونها ونفخر بها ونشكر من يقدرها.