استبدلت إسرائيل الأمن والسلام بالخوف والخطر والحروب، ظنت حكومة تل أبيب أنها تستطيع تنفيذ جرائمها وأن تحقق أطماعها، وفى نفس الوقت توفر الأمان والاستقرار لسكانها، غير أن تطورات الأحداث خاصة بعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة أثبتت عدم واقعية ذلك، فقد كشفت هذه التطورات عن فشل أفكار التيارات الإسرائيلية المتطرفة، مقابل صحة رؤية التيارات المعتدلة والتى تمسكت برأيها عقب حرب أكتوبر 1973: بأن السلام مع العرب أفضل لتل أبيب من الصراع والحرب، وأن إسرائيل لا تستطيع العيش وسط محيط من الكراهية مهما كانت قوتها وتسليحها، وأنه مهما بلغ الدعم الأمريكى والغربى لإسرائيل فإنها فى النهاية تحتاج إلى السلام والهدوء لكى تنعم بالحياة الطبيعية والآمنة دون خوف أوعزلة أو قتال وحروب، وهو ما حدث بالفعل بتوقيع اتفاقية السلام عام 1979 برعاية أمريكية، وانتقال روح السلام بعد ذلك لعدد من دول المنطقة.
>>>
جاءت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، فى ظل طموحات حقيقية بإنهاء حالة الحرب بين الجانبين، شملت انسحاب إسرائيل مما تبقى من أراض محتلة فى سيناء والتوافق بين حكومتى مصر وإسرائيل على ضرورة اقامة سلام عادل وشامل ودائم فى الشرق الأوسط طبقاً لقرارى مجلس الأمن 242 و338، وأن يشكل اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل فرصة للتوصل إلى تسوية للنزاع العربى الإسرائيلى بكافة نواحيه، فضلاً عن الالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى التى تحكم العلاقات الدولية فى وقت السلم، والاعتراف بأن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب ودون المساس بما يتعلق بالوضع فى غزة، وأن يقر الطرفان بأن الحدود مصونة لا تمس ويتعهد كل منهما باحترام وسلامة أراضى الطرف الآخر بما فى ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوى، كما تتعهد مصر وإسرائيل بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة على نحو مباشر أو غير مباشر وبحل كافة النزاعات التى تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.
>>>
لقد شكل إقرار السلام بين مصر وإسرائيل خطوة واقعية فى طريق السلام الشامل بالمنطقة إذ تلاه عام 1993توقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، ثم فى العام 1994 توقيع معاهدة وادى عربة للسلام مع الأردن، ثم توقيع الاتفاقية الإبراهيمية فى عدد من الدول ، وحقيقة فإنه لولا العدوان على غزة لسارع عدد آخر من الدول العربية الأخرى بالانضمام للاتفاقات الإبراهيمية ولكانت المنطقة فى وضع أقرب للسلام الشامل تتمتع فيه إسرائيل بالأمن والاستقرار والسلام، إلا أن حكومة إسرائيل المتطرفة تمردت على كل ذلك وضربت بالسلام عرض الحائط، والنتيجة سقوط إسرائيل فى وحل جرائم الحرب والإبادة ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، إضافة إلى الاستعداد للإعلان عن احتلال مناطق فى القطاع أو احتلال غزة كلها وهو متغير فى غاية الخطورة.
>>>
قمة المأساة ما يحدث من قتل وإبادة لسكان غزة حالياًً، وأكبر درجات الدهشة تتملكنا ونحن نتابع عناصر البغى والظلم الإسرائيلية عبر الشاشات والمواقع الإلكترونية وهى تتحدث دون اكتراث عن جرائم جيش الاحتلال وعن تأييدها لمواصلة نزيف الدماء واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة والضفة وسوريا وجنوب لبنان،، ومنتهى العبث أن نحلم باقناع حكومة تل أبيب المتطرفة بضرورة العودة إلى مفاوضات السلام،، وهنا نتوقف عند بعض التساؤلات التى تفرض نفسها فى هذه الأجواء غير الإنسانية، وهى: هل يعلم الإسرائيليون أن حالهم حالياً لايزيد عما يمكن وصفه بـ» النصر المؤقت»، وهل يدركون أن أمنهم فى حال السلام أكثر ضماناً من حالة الحرب، أيضاً هل فكرت الدول الكبرى فى وقف الدعم عن حكومة إسرائيل لتجبرها على وقف اطلاق النار، أو إجراء الكشف الطبى على الصحة العقلية لنتنياهو الذى وصفته عاملة منزله بالمكتئب والمضطرب نفسياً وعصبيا، ولماذا تصمت هذه الدول على سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلى المريض رغم إدراكها أنه يمكن أن يؤدى إلى دمار المنطقة كلها، أو اشعال حرب عالمية ثالثة.
>>>
أسئلة كثيرة لا تجد لها أى إجابات، ولكن وفى كل الأحوال يجب أن يعلم الإسرائيليون أن كل حروبهم همجية وظالمة، وان خرق معاهدة السلام مع مصر باحتلال غزة أو التلويح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعرض إسرائيل لخطر حقيقى قد يصل إلى الفناء، أيضاً لابد أن يعلم الإسرائيليون أنهم- باغتيال السلام يحرمون أنفسهم من الأمن والأمان والحياة الطبيعية، ويعيدون الصراع العربى الإسرائيلى الى نقطة البداية، وأنهم «إن أجلا أم عاجلاً» سيلاحقهم القتل والدمار والجوع والحصار فى كل شبر بأرض فلسطين وكل الأراضى العربيةالمحتلة.