فى كل مرة ازور باريس.. اذهب الى متحف اللوفر.. ادهشنى الإقبال الشديد على الموناليزا.. سألت مرشدة سياحية.. كم عدد زوار الموناليزا.. أجابت 9 ملايين سائح سنويا.. وكم دخل اللوفر فى السنة.. اجابت 13 مليار دولار.. قلت فى نفسى متحف واحد يجلب دخلا لفرنسا بهذا الحجم.. مقارنة بدخل قناة السويس فى ذلك الوقت سنة 1981 !!.. والذى كان 7 ملايين دولار.. المهم.. طلبت من المرشدة السياحية ان تدلنى الى الطريق للموناليزا.. قالت إنها توجد داخل قاعة مجهزة خصيصا لها وان برواز الزجاج عليها من المقاوم للرصاص.. وان درجة حرارة هذه القاعة واحدة طوال السنة.. وسقف القاعة من الزجاج الذى يسمح بدخول الضوء الطبيعى.. حتى لا تتأثر الموناليزا باى مؤثرات خارجية.. قلت: كل ده للموناليزا.. قالت: نعم انها اغلى لوحة فى العالم.. ويكفى ان تعرف انه تم التأمين عليها بمبلغ 100 مليون دولار.. قلت لها: معنى ذلك انه لا يمكن سرقتها.. وان حراستها مشددة.. قالت: تم سرقتها بالفعل مرة من مجهولين.. وتم إعادتها حيث لم يستطيعوا بيعها.. وتم ضبط اللوحة لديهم.. ومرة أخرى سرقها احد حراسها.. ولكنه اعادها من تلقاء نفسه.. وقفت فى منتصف قاعة الموناليزا.. وسط الزحام.. اتأملها.. واتساءل عن سر عظمتها.. بحثت عن المرشدة السياحية.. فاجأتنى بقولها.. توجد مكتبة فى بهو مدخل اللوفر.. يمكنك شراء كتاب عن الموناليزا.. قلت كتاب عن لوحة رسم.. قالت: نعم.. انها الموناليزا.. ليوناردو دافنشى.. وسوف تجد كل شىء عن دافنشى وموناليزا.. منذ ذلك اليوم.. اصبح ذهابى للوفر.. مرتبط بزياراتى لباريس.. فكل مرة ازور باريس.. يكون من اهم اولوياتى متحف اللوفر.. وبالمناسبة لكى نشاهد جميع اقسام اللوفر تحتاج لأكثر من شهر كامل على الاقل.. بعد قضاء يوم ممتع.. من اجمل واسعد ايامى.. انطلقت للمكتبة لشراء كتاب الموناليزا.. انا اعشق المتاحف.. فهى بالنسبة لى ليست مجرد حيطان او لوحات أو تماثيل.. انها.. حضارة.. تاريخ.. ثقافة.. وايضا حياة.. اشتريت كتاب الموناليزا ومعه كتاب آخر عن متحف اللوفر.. اجد كل هذه المقدمة ضرورية قبل الكتابة عن المبدع ليوناردو دافنشى.. فمنذ ايام كانت ذكرى وفاته وبالتحديد يوم ٢مايو 1519.. ومن هنا تجددت ذكرياتى مع دافنشى من خلال الموناليزا.. عثرت على كتاب جديد اصدرته احدى الجامعات العالمية فى فرنسا.. المتخصصة فى الآداب والفنون.. عنوان الكتاب.. « العبقرى الأول فى العالم « فى الفنون والآداب.. من المعروف انه المبدع وليام شكسبير.. ولكنى ذهلت.. لاختيار دافنشى.. العبقرى الأول.. والثانى شكسبير.. قلت هذه ثورة فى عالم الفن والآداب.. قرأت الكتاب بنهم وشغف لاقف على أسباب ترتيب هذا التصنيف الذى تضمن اهم عشر عباقرة أو مبدعين على العالم.. قالوا ان دافنشى لم يكن مجرد رسام رائع فقط.. لكنه اضاف الكثير للانسانية.. فهو عالم فى الفلك والفيزياء والهندسة والتشريح.. فهو الذى وضع مواصفات ثابتة الأبعاد.. لمختلف انشطة حياتنا سواء فى البناء أو غيره.. مستخدما جسم الإنسان.. كنموذج للابعاد الثابتة.. تطبيقا لفكرة النسبة والتناسب فى هذا الكون.. يرمز الى التناسب بين جسد الانسان والكون.. والتلاحم بين الفن والعلوم.. وانتقل دافنشى لفرنسا.. حيث استضافه فرانسوا الأول ملك فرنسا.. ومن بعده لويس الثانى عشر.. لمدة 16 عاما.. رسم خلالها أسقف اللوفر.. كما رسم ايضا الموناليزا.. التى أهداها للملك.. ثم اصبحت بعد ذلك ملك للتراث الفرنسى للدولة.. كان الفاتيكان قد خصص له عدة حجرات ليقيم بها.. خلال رسمه لاسقف وجدران كنائس الفاتيكان.. اعود للموناليزا.. التى لم تعرف شخصيتها الحقيقية.. حتى اليوم.. ليصل السؤال مطروحا.. من هى ؟! قيل انها زوجة تاجر فرنسى.. اسمها ديل جيوكوندو.. طلب زوجها من دافنشى رسمها ومن هنا جاء اسم جيوكندا.. الذى اطلق على الموناليزا.. وقالوا ان من عبقرية دافنشى انه رسم لوحات فى عصور لم يعشها.. مثل لوحة العشاء الاخير للسيد المسيح.. وكأنه عاش هذه اللحظة.. وبسرعة فائقة.. أتقن رسم وجه السيد المسيح.. كأنه يعلم بقرب موته.. وكذلك وجه الحوارى اليهودى الخائن الذى ارشد اليهود عن مكان المسيح ليقتلوه.. فى ذكرى وفاته يبقى ليوناردو دافنشى بالفعل العبقرى الأول على العالم.. بما قدمه من إبداع.. فى مجال الفنون والآداب.. لصالح الانسانية.