النظرة إلى الوراء أو إلى الخلف أو إلى الماضي.. فى كثير من الأحيان تكون واجبة ولازمة بل وضرورة.. من أجل رؤية ما هو فى الأمام أو الواجهة.. رؤية الحاضر والمستقبل.. بشكل أكثر وضوحا ودقة وتفصيلا.. الماضى هو سر الحاضر.. والتاريخ هو بوصلة المستقبل.. وكم من أحداث وقعت هنا وهناك وتعامل معها كثيرون باعتبارها«خبر كان» لكن سرعان ما اكتشف المتأملون والمتدبرون أن هذه الأحداث تحمل بين طياتها «مفاتيح» وخرائط كل ماهو قادم وكل ماهو غير منظور فى «العالم الجديد».. أقول هذا وأنا أقف عند«نقطة ما» فى المسافة الواصلة بين ما كتبه المفكر والأديب عباس محمود العقاد قبل ستين عاما عن «المشروع الصهيوني» فى كتابه «الصهيونية العالمية» وبين مايجري «الآن» فوق مسرح الأحداث الممتد عبر قارات العالم.. مايجرى ويدور ويتفاعل من آليات لإتمام تنفيذ»بقية»بنود وعناصر ومرافق «المشروع».. المشروع الصهيوني.. نظرة واحدة فى كتاب عباس محمود العقاد المسجلة والمدونة أحداثه قبل «ستة عقود».. ثم نظرة أخرى فى مايجري «الآن» بامتداد العالم.. الوقائع والأحداث والمخططات.. نظرة فى ماذكره العقاد.. ثم نظرة أخرى فى مايحدث الآن على الأرض.. كل الأرض.. هاتان النظرتان كفيلتان بأن يعلم المرء ويدرك ويستشعر إلى أى مدى وصل التغلغل الصهيونى داخل مفاصل مراكز صنع القرارات الدولية الفاعلة والمؤثرة!!
عرفنا «الأسبوع الماضي» من خلال ماتضمنه كتاب العقاد «الصهيونية العالمية».. كيف أن «الطابور الخامس» للصهيونية انتشر فى أماكن شتى فى العالم.. وأن هؤلاء الصهاينة من أعضاء وعناصر«الطابور»تمكنوا من التجسس على العديد من الدول والحكومات فى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية عبر تحكمهم في «عالم المال والنقد والصرافة» على مستوى العالم.. وبعد الحصول على هذه المعلومات.. سياسية أو اقتصادية أوعسكرية.. يقوم «الطابور الخامس»بتوظيفها لخدمة إسرائيل.. عرفنا دلك وسردناه الأسبوع الماضي.. واليوم إن شاء الله سبحانه وتعالى نستكمل ما تناوله عباس محمود العقاد فى كتابه عن الصهيونية العالمية.. فيما يتعلق بقضيتين من أهم وأخطر القضايا التى تستند عليها إسرائيل فى حروبها العدوانية وجرائمها الوحشية وبلطجتها الدولية.. القضية الأولى تتحدث عن علاقة الصهيونية بالإعلام العالمي.. والثانية مدى نفوذ الصهيونية إلى المجالس التشريعية أو النيابية فى الدول الكبرى ومدى قدرتها على سن القوانين التى تخدم إسرائيل.. يؤكد عباس محمود العقاد فى كتابه أن»الطابور الخامس»الصهيونى استطاع أن يصل إلى دوائر التأثير المختلفة التى تتحكم فى الإعلام العالمى خاصة عامل «التمويل» الذى تحتاجه وسيلة الإعلام.. كما استطاع «هذا الطابور» أيضا أن تكون له»الكلمة الحاسمة» داخل المجالس النيابية فى كثير من الدول.. فلاتصدر هذه المجالس أية قوانين يمكن بشكل أو بآخر أن تشكل خطرا»من أى نوع» على إسرائيل.. «حطمواالأديان.. دمروا الأخلاق.. فتتوا الدول» كانت هذه.. ومازالت.. ثلاثية الأهداف الكبرى التى تعمل الصهيونية العالمية على تحقيقها فى كل زمان ومكان لكى تكون لهم الغلبة فى أى ساحة وفى أى ميدان!!
تحت عنوان «الصهيونية العالمية وطوابيرها الخامسة فى ميادين الثقافة».. يقول عباس محمود العقاد.. قبل أكثر من ستين عاما.. فى كتابه «الصهيونية العالمية»: إن الصهيونية العالمية تسعى للسيطرة على الثقافة والفنون بوسائل كثيرة.. أبرزها أربع وسائل هي.. «الإعلام العالمي».. والشركات التى لها اتصال وثيق بالإعلام لاسيما شركات الإعلان.. وشركات النشر والتوزيع.. وهيئات الثقافة العالمية.. ويضيف العقاد : تتمكن الصهيونية العالمية من الإعلام بالمساهمة فى رءوس الأموال.. والمساهمة فى تحرير الأخبار.. والمساهمة فى السبق إلى الأخبار والأسرار.. فعلى سبيل المثال نرى أن الصحف التى يتم طباعة ملايين النسخ منها فى أوروبا وأمريكا لاتستغنى عن الإعلانات ولا يتأتى لها تعويض النفقات الكثيرة بثمن البيع أوالإشتراكات الثانوية.. فثمن الصحيفة أقل من ثمن الورق الذى تطبع عليه فضلا عن تكاليف التحرير والإدارة والطباعة والتوزيع.. وكلما اشتدت المنافسة بين الصحف عملت على نقص ثمن النسخة وازداد تعويلها على الإعلان.. ويستطرد العقاد قائلا : إن الصحيفة التى تجازف بالموت هى الصحيفة التى تهاجم الصهيونية العالمية أوتناهصها.. فالمساهمون فى رأس مالها يهددونها ويحرجونها فى مجالس الإدارة.. وإن لم تكن للصهيونيين حصة كبيرة من رأس مال الصحيفة ولم يكن لهم دخل فى تحريرها وإدارتها فهناك»الإعلانات» التى تعول عليها ولا تستغنى عنها.. ويشير العقاد إلى أن ليس فقط الكتاب الصحفيون الذين تسعى الصهيونية العالمية للوصول إليهم.. بل هناك كتاب الأدب والاجتماع وكتاب المذاهب الفكرية والفنية.. وهؤلاء «كما يقول العقاد».. لاتتركهم الصهيونية العالمية بمأمن من وسائل تأثيرها وطغيانها فى كثير من الأحوال.. ووسائل النشر والنقد والتوزيع هى بعض أدوات الصهيونية الفعالة فى عالم التأليف والتفكير.. وليس بالقليل بين دور النشر مايملكه الصهيونيون منفردين بتمويله وإدارته وأكثر من ذلك دور النشر التى يساهمون فيها بالحصص والأسهم أو الإدارة والإشراف.. ويواصل العقاد : هناك قاعدة عامة فى الدعاية العالمية التى تتولاها الصهيونية.. تلك القاعدة تتمثل فى عدم الإشادة بأى كاتب أوروبى أو أمريكى لا يعمل طوع بنانها فى ترويج دعوتها الظاهرة أو الخفية.. ويوضح العقاد هنا أن : الدعوة الخفية للصهيونية العالمية تقوم على هدم العقائد والأخلاق وتحطيم الأديان والدول.
وفيما يتعلق بالطابور الخامس الصهيونى فى المجالس النيابية يذكر عباس محمود العقاد أن الصهيونية العالمية جعلت من الوصول إلى المجالس النيابية ومحاصرة أى محاولة لسن قوانين أو قرارات ضد إسرائيل أو ضد الصهيونية.. جعلت الصهيونية العالمية الوصول إلى هذه المجالس هدفا من ضمن أهدافها المهمة التى تسعى من خلالها للسيطرة والتحكم فى مفاصل صنع القررات الحاسمة فى الدول الكبرى خاصة فى أوروبا وأمريكا.. ويوضح العقاد أن الوسيلة أو الأداة الأبرز والأسرع التى تمتطيها الصهيونية العالمية فى تحقيق هذا الهدف هي «المال».. ويظهر ذلك جليا فى دعم دوائر ومنظمات صهيونية لأحزاب ومرشحين بأعينهم خلال الانتخابات التشريعية أو النيابية وكذلك تمويل الحملات الانتخابية.. يقول العقاد إن الصهيونيين فى بريطانيا على سبيل المثال اهتموا بالوصول إلى مجلس النواب الإنجليزى بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إقامة مشروعهم فى فلسطين باحتلالها وإنشاء «إسرائيل» هناك.. الطابور الخامس مثلما الحال فى السياسة والإقتصاد والإعلام كان هو أيضا كلمة سر الصهيونية فى قيادة وتوجيه»مطابخ»القوانين والتشريعات فى الولايات المتحدة الأمريكية وغالبية الدول الأوروبية.. ولعل هذا يفسر القوانين والتشريعات «العتيدة» التى سنتها تلك الدول من أجل حماية إسرائيل ومصالحها وفى المقدمة من ذلك القوانين المتعلقة بمعاداة السامية.. أحدث التحركات الصهيونية فيما يتعلق بالمجالس التشريعية بالدول الكبرى هو ماتم الإعلان عنه قبل أيام من أن مجلس النواب الأمريكى شرع فى سن إجراءات عقابية ضد «الأمريكيين» الذين يدعون لمقاطعة إسرائيل.. فكما ذكرت وسائل الإعلام أن القانون الجديد يسعى لمنع أى تحرك احتجاجى ضد ماتقوم به إسرائيل ومستوطنوها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.. وينص القانون الجديد على فرض عقوبات على المواطنين الأمرييكين الذين يشاركون فى التحركات المناهضة لإسرائيل.. تصل هذه العقوبات إلي غرامة مدنية «300 ألف دولار» وغرامة جنائية قد تبلغ مليون دولار.. بالإضافة إلى السجن لمدة قد تصل إلى عشرين سنة!!.. تطرق عباس محمود العقاد فى كتابه «الصهيونية العالمية» كذلك إلى وصول الطابور الخامس إلصهيونى إلى أماكن ومواقع ورموز سياسية وإقتصادية عالمية أخري.. والهدف الرئيسى والمركزى والمحورى هو حماية إسرائيل ومصالحها.. لكن على الرغم من هذا التغلغل والتوغل الصهيونى الدولى إلا أن العقاد يؤكد أن مصير الصهيونية وكذلك مصير»دولة الإحتلال» حتما بإذن الله إلى زوال.. يشير العقاد فى ذلك إلى أن إسرائيل ككيان والصهيونية كحركة فكرتان ضد كل ماهو طبيعى ومنطقى وعقلاني.. والفكرتان «الدولة والحركة» يضمان أو يحتويان على عوامل أو عناصر هدمهما.. وهذا الهدم وهذا الزوال ماهو إلا «مسألة وقت».
أنظر إلى هذا «المد الصهيونى العالمي» الواصل إلى كل مكان وكل دائرة وكل مفصل من دوائر ومفاصل السياسة والإقتصاد والتشريع والإعلام العالمى والدولي.. أنظر إلى ذلك كله وما يصاحبه من إجرام إسرائيلى ضد الشعب الفلسطيني.. إجرام غير مسبوق فى تاريخ البشر.. إجرام مدعوم من «الدول العظمي».. أنظر إلى ذلك ثم أنظر إلي «هناك».. إلى ساحة المعركة.. أتأمل هذا الذعر الشعبى والسياسى والعسكرى الذى عم إسرائيل بسبب صاروخ قادم من مسافة ألفى كيلو متر وأصاب مطار «بن جوريون» .. أنظر إلى ذلك الذعر وهذا الفشل الإسرائيلى «المتجدد».. فشل لم تستطع معه «دولة الاحتلال».. بعدتها وعتادها وحماتها.. لم تستطع الدفاع عن عمقها وقلبها وشعبها.. أنظر إلى هذا «المشهد» وأتأمل الرسائل الخاطفة والمفاجئة والموقظة.. أجدنى أردد «سبحان الله» وأستدعى من بين «حصون التاريخ» و«هضاب الجغرافيا» الحقيقة الخالدة التى تقول أن إسرائيل والصهيونية.. كلتاهما«أوهن من بيت العنكبوت».. ونواصل إن شاء الله
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.