تصعيد كوريا الشمالية ..صراعات تنذر بالخطر
تشهد الساحة الدولية صراعات متصاعدة على عدة جبهات، وربما وجد المتنافسون أن أدوات القتل العادية لا تشبع نهمهم للدماء ولا ترضى أطماعهم فى حصد أرواح المزيد من البشر.. فقرروا أن يلوحوا باستخدام الأسلحة النووية فى تهديدات صارمة يجب أن تؤخذ على محمل الجد حتى لو بقيت مجرد تهديد. أصبحت مخاطر استخدام الأسلحة النووية فى تزايد مستمر مما يهدد بتقويض النظام الأمنى العالمى الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. فتلك الأسلحة لن يقف خطرها عند الدول المتصارعة بل هي تهديد وجودى للحضارة الإنسانية واستخدامها فى الحروب لن ينهيها بانتصار، فالجميع خاسرون، والدمار لن يفرق بين جائر وصاحب حق. ولابد من بذل جهود دبلوماسية مكثفة لنزعها من العالم أجمع.
أبرز الصرعات التى يشتعل فيها الحديث عن النووى الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران قائما مع محاولات من دول عدة لتهدئة الأوضاع، حيث جرت مفاوضات بين الطرفين الشهر الماضى فى عمان وحددت واشنطن مهلة تنتهى فى شهر مايو الجارى لتنفيذ مطالبها التى تشمل تخلى إيران عن برامجها النووية والصاروخية، بالإضافة إلى تفكيك مليشياتها فى الشرق الأوسط، ولكن إيران تعتبر هذه المطالب مهينة وغير مقبولة، وترى أن المجموعات الموالية لها فى المنطقة تمثل خط الدفاع الأول عنها.
وكان مستشار للمرشد الإيرانى على خامنئي، على شمخاني، كتب فى تغريدة على منصة «إكس»، حينها أن بلاده قد تطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إذا تعرضت لهجوم عسكرى أو تواصلت بحقها التهديدات الخارجية.
وكشف تقرير معهد العلوم والأمن الدولى ومقره واشنطن أن إيران تمتلك قدرات عسكرية تُهدد المنطقة، ولديها مخزونات ضخمة من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز التى يمكن استخدامها ضد إسرائيل وحلفائها. كما لا تزال إيران طرفا رئيسيا فى حرب أوكرانيا، حيث تدعم روسيا بعمليات نقل أسلحة واسعة النطاق، بما فى ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ.
ومن جانبها تستخدم أمريكا العقوبات الاقتصادية كوسيلة ضغط اساسية على إيران التى تحاول تجاوز العقوبات عبر التهريب والتحالف مع الصين وروسيا وتوسيع نفوذها فى المنطقة.
أما روسيا فتطالب جميع الأطراف بالتحلى بضبط النفس، ليس لأنها تؤمن بضرورة حل الخلافات عبر الوسائل الدبلوماسية، بل لأن أي ضربة أمريكية محتملة ضد إيران تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومى الروسي.
وترفض إيران فكرة الحوار مع الولايات المتحدة، وحتى إذا جرت أية مفاوضات فدائما يكون هناك اختلافا على صيغة وآلية إجراء هذه المفاوضات، وهو العامل الذى يعرقل أى تقدم دبلوماسى محتمل فى الوقت الراهن.
كما يشهد الوقت الحالى تصعيدا كبيرا بين إيران وإسرائيل حيث تظهر طهران استعداد للرد بقوة وتل أبيب من جهتها لا تتردد فى القيام بعمليات استباقية، وتتجنب واشنطن الانخراط فى حرب شاملة جديدة ولكنها فى نفس الوقت ملتزمة بأمن وحماية إسرائيل وفى حالة هجوم كبير ستتدخل بشكل مباشر.
ايران تدرك أن الدخول فى حرب مفتوحة مع أمريكا واسرائيل سيسبب لها دمارا اقتصاديا وعسكريا لكنها تستخدم وكلاءها فى المنطقة للضغط دون الدخول فى مواجهة، بالإضافة إلى أن امتلاك الاطراف لقدرة ردع متبادل يجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل بدء الحرب.
روسيا وأوكرانيا
بدأ الصراع الروسى الأوكرانى فى عام 2014 عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم بعد اضطراب سياسى فى كييف. وعندما بدأت العملية العسكرية الروسية فى 24 فبراير 2022، توقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السيطرة على كل أوكرانيا فى غضون أيام لكن ما حدث هو ثلاث سنوات من القتال العنيف بفضل المساعدات القادمة لكييف من حلفائها من الغرب وشن كييف هجوماً مضاداً.
وكانت الولايات المتحدة أكبر مساهم فى تمويل أوكرانيا منذ بداية الحرب وقدمت لها 95 مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية والمالية، وأصبحت هذه المساعدات فى خطر فى ظل إدارة ترامب.
بعيدا عن صخب الحرب فى أوكرانيا، تسعى موسكو إلى استعادة هيبة الردع النووى عبر أكثر المنصات غموضا وفتكا وهى الغواصات النووية، ولم يكتف بوتين بالردع النووى الاستراتيجي، بل ارتقى بالتهديد إلى مستوى آخر حيث شرعت روسيا فى تنفيذ أضخم مشروع بحرى عسكرى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، معلنة تخصيص أكثر من 100 مليار دولار على مدى العقد القادم لبناء أسطول جديد من غواصات «بوراي-إي» و»ياسن-إم»، فى تحول نوعى لطبيعة التهديدات الاستراتيجية التى تستعد موسكو لتصديرها إلى ما وراء حدودها.
و رغم الأزمة الاقتصادية التى تواجهها روسيا بفعل العقوبات وتراجع قيمة الروبل وتكاليف الحرب المستمرة، تصر القيادة الروسية على أن هذا الاستثمار لا يحتمل التأجيل، باعتباره ضرورة استراتيجية. الردع الصامت، بحسب الرواية الرسمية، هو خط الدفاع الأخير فى مواجهة أى تصعيد غربى مباشر.
وهذه الخطوة تحمل كذلك رسائل واضحة لأكثر من طرف: إلى واشنطن، التى تعمل على تطوير غواصات – كولومبيا- خلفا لـ»أوهايو»، وإلى بكين التى تسارع فى بناء أسطولها النووي، وإلى حلف الناتو الذى قد يعيد النظر فى استراتيجيته البحرية بعد أن كان يظن أن التهديد الروسى قد انحسر.
وبدأ القلق الغربى يتخذ شكلا معلنا مع صدور تقارير أمنية أوروبية تحذر من احتمال إحياء روسيا لعقيدة «الضربة النووية الثانية» قدرة الغواصات على الرد بعد تعرض البلاد لهجوم نووى مفاجئ، وهو ما يعيد للأذهان مشهد الحرب الباردة وتوازن الرعب القائم على مبدأ الرد حتى بعد الفناء.
وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قال فى وقت سابق، إن الدول التى تتدخل فى حرب أوكرانيا ستواجه عواقب «لم تشهدها فى تاريخها بالكامل»، ووضع قواته النووية فى حالة تأهب.
وردا على ذلك، قال جوستاف جريسيل، من المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، إن تصريحات بوتين «لا تشير إلى أى تغييرات فى الموقف النووى الروسي، إنها خدعة إذا كانوا جادين، لكنا شهدنا تصعيدا نوويا بالفعل، وإن التهديد النووى المتجدد من جانب روسيا هو علامة على ضعف الغرب».
ولتهدئة الأوضاع قليلا، قال بوتين مؤخرا إنه لم تكن هناك حاجة لاستخدام الأسلحة النووية فى أوكرانيا وإنه يأمل ألا تنشأ أسباب تدفع إلى ذلك، وإن روسيا لديها القوة والوسائل اللازمة لوضع «نهاية منطقية» للصراع فى أوكرانيا.
الهند وباكستان
يعود الصراع الهندى الباكستانى إلى ما بعد انسحاب بريطانيا من جنوب آسيا عام 1947، وتم الاتفاق على تقسيم شبه القارة الهندية إلى باكستان ذات الغالبية المسلمة، والهند ذات الغالبية الهندوسية، وتصارع الطرفان حول استحقاقيتهما على إقليم «كشمير» حيث اعتبرته باكستان امتدادا طبيعيا لأراضيها، فى حين سعت الهند إلى ترسيخ انضمام الإقليم إليها، وتبع ذلك اندلاع سلسلة من الحروب والأحداث خلفت آلاف القتلى من الجانبين.
وفى عام 1974، أجرت الهند أول اختبار نووى لها، بينما أجرت باكستان اختبارها النووى فى وقت لاحق، وأصبحتا ضمن قائمة أقوى 10 دول نووية فى العالم، ما أثار قلقا دوليا من استخدام السلاح النووى فى الصراع بينهما.
حاولت دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والهند إجهاض مشروع السلاح النووى الباكستانى منذ بداياته، فعارضت الولايات المتحدة المشروع وتجسست عليه، وأوقفت مساعداتها العسكرية والاقتصادية عام 1978، بعد رفض باكستان التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
تتبنى الهند سياسة «عدم الاستخدام الأول» منذ عام 1999، ما يعنى أنها لن تقوم باستخدام سلاحها النووى إلا فى حال كان ذلك رداً على هجوم نووى ضدها، أو ضد قواتها.
أما فى باكستان، تتبنى الحكومة موقفاً معلناً مبنى على «رفض سياسة عدم الاستخدام الأول»، ما يعنى أنه من الجائز قيامها بحق استخدام الاسلحة النووية أولا، فى حالة تعرضها لهجوم تقليدى كبير.
وفى 2025، وقعت اشتباكات عدة بين الجانبين فى كشمير، أبرزها الهجوم المسلح يوم 22 أبريل الماضى فى منطقة بهلجام السياحية بإقليم كشمير مما أسفر عن مقتل 26 مدنيا وإصــابة 17، وأثار الهجوم، الذى تبنته «جبهة مقاومة كشمير»، موجة من التوتر الدبلوماسى الحاد بين البلدين، دفعت كل منهما إلى تقليص العلاقات الرسمية، واتخاذ إجراءات عقابية متبادلة زادت من حدة الأزمة بين الجانبين.
كوريا الشمالية
تمتلك كوريا الشمالية السلاح النووى الذى تعتبره ضرورياً فى مجال الردع إزاء المناورات العسكرية لواشنطن وسيول، وتؤكد دائما كدولة نووية أنه أمر غير قابل للتغيير مهما كانت الضغوط والمطالبات التى قد توجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها فى منطقة آسيا.
انتقدت شقيقة كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية منذ أيام، الجهود التى تقودها الولايات المتحدة لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي، قائلة إن هذه الفكرة «مجرد حلم يقظة». كما قال كيم جونج أون إن الوقت حان لتسريع التسلح النووى للبحرية فى بلاده «للدفاع عن الدولة والسيادة البحرية فى وجه التهديدات الراهنة والمستقبلية».
وأعلن جونج أون أن المدمرة الجديدة التى كشف عنها مؤخرا والتى قال موقع «إن كاى نيوز» الأمريكى إنها قد تحمل صواريخ نووية تكتيكية قصيرة المدي، ستوضع فى الخدمة مطلع العام المقبل.
ودائما ما تقوم كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بـ«إثارة التوترات» بشبه الجزيرة الكورية عبر تدريباتهما العسكرية المشتركة فى إظهار للقوة ضد التهديدات العسكرية الكورية الشمالية.
وتصف وزارة الدفاع الكورية الشمالية هذا بأنه إساءة استخدام متهورة وغير ضرورية للقوة واستفزاز خطير من شأنه أن يرفع التوتر العسكرى الإقليمى إلى مستوى خطير للغاية.