مرت أكثر من 15 عامًا منذ تعهد الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما بإخلاء العالم من الأسلحة النووية. فاز أوباما لذلك بجائزة نوبل للسلام فى العام نفسه عن حلمه، إلا أنه لم يتحقق أى منه،وكأنه كان وعوداً غير حقيقيه حتى أقر أوباما نفسه أنه مستحيل. لكن رؤيته تلك كانت تُناسب روح العصر، فحينها كان يرى كثيرون السلاح النووى عفا عليه الزمان، لأن العالم حينها كان أهدأ، لكن ما بدا نهاية الحقبة النووية كان بزوغ فجر العصر النووى الثالث، حسب تعبير رئيس أركان جيش بريطانيا تونى راداكين. كان العصر الأول هو الحرب الباردة، والثانى هو حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتى التى ظهرت فيها جهود نزع السلاح النووى ومنع انتشاره، أما العصر الثالث الحالى فأمارته أنه لا حدود للطموح النووي.
فى مارس الماضى قال وزير الخارجية الروسى سيرچى لاڤروڤ إن فرنسا تهددنا بقنابلها النووية الثلاث؛ كان لاڤروڤ يسخر من قلة السلاح النووى لفرنسا. فالنادى النووي، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين، أصبح يسارع إلى زيادة سلاحه، ولا تتوقف فيه روسيا عن التهديد الصارخ باستخدامه فى حرب أوكرانيا، أما كوريا الشمالية فتمتلك العشرات من الأسلحة النووية، ويتخوف العالم من احتمال نشوب صراع نووى بين الهند وباكستان، وتوشك إيران أن تطور قنبلة نووية؛ ويفكر حلفاء للولايات المتحدة فى تصنيع سلاح نووي، بخاصة مع تنصل أمريكا من حمايتهم، وكأن سباقًا جديدًا للتسلح النووى قد بدأ.
خلال الأعوام الماضية هددت روسيا كثيراً بالسلاح النووى لردع أوروبا وأمريكا عن تدخلهما المباشر فى الصراع، وتراوح ذلك بين تكرار رئيس روسيا فلاديمير بوتين التذكير بأن سلاحه النووى هو الأكبر فى العالم، وبحسم قرارات كخفض روسيا للحد الأقصى الرسمى لاستخدام تلك الأسلحة، وإطلاق صاروخ أوريشنيك الجديد فائق السرعة، القادر على حمل رءوس نووية، على مدينة دنيبرو فى أوكرانيا.
ولا شك أن خطر الحرب النووية أحد أسباب إعراض الولايات المتحدة وحلفائها عن إرسال قوات إلى أوكرانيا أو فرض منطقة حظر جوى فوقها فى الأيام الأولى للصراع لأنه كان من شأن أيٍّ من الخطوتين أن تُعرّض أكبر قوتين نوويتين فى العالم لمواجهة عسكرية مباشرة، إذا كان مسئولون بالاستخبارات الأمريكية يرون فى 2022 أن ثمة احتمال 50 ٪ أن تستخدم روسيا سلاحًا نوويًا ولو لمرة، إذا ما واجه الروس خطر فقدان مدينة خيرسون جنوب أوكرانيا، ورغم أن هذا لم يحدث، فكان الخطر من حدوثه كبيرًا.
وتقول مارا كارلين، مساعدة وزير الدفاع الأمريكى السابقة، إن العالم الآن أقرب إلى استخدام الأسلحة النووية مما كان عليه منذ عشرات السنوات، وإن تجنب ذلك لم يحدث إلا بعد لقاءات عديدة دقيقة ومعقدة لكبار المسئولين الأمريكيين والروس فى السنوات القليلة الماضية. وتقول باحثة دراسات السلاح النووي، هيذر ويليامز، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن الحكومات الأخرى استنتجت أن تهديد روسيا بالسلاح النووى مر دون عقاب. فمن دون تفجير رأس حربى واحد، استطاعت روسيا استخدام ترسانتها النووية فى تحقيق مآربها، وهو ما لم يسبق لأى دولة أن فعلته، كل ذلك والدول الأخرى وفى مقدمتها الصين تراقب الأمر.
تسع دول هى من تملك أسلحة نووية، الولايات المتحدة وروسيا معًا يملكان نحو 90 ٪ منها، لكن هذه النسبة بدأت تتغير. كان تقرير وزارة الدفاع الأمريكية 2022 أول ما كشف أن الصين ضاعفت سلاحها النووى فى العامين السابقين حتى بلغ 400 رأس حربى ثم 600 فى 2024، وأنه قد يبلغ 1500 رأس حربى فى 2035، حيث تُظهر صور الأقمار الصناعية من الصحراء الشمالية الغربية فى الصين توسعًا كبيرًا مؤخرًا لما يعتقده الخبراء أنه صوامع صواريخ باليستية. ورغم أن ما تملكه روسيا والولايات المتحدة أكثر بكثير (5000 رأس حربي)، يُعد هذا تحولًا استراتيجيًا هامًا للصين التى تمتلك أسلحة نووية منذ 1964، ولم تسع إلى زيادتها، لكنها كانت قد تجاوزت فرنسا فى 2020 لتصبح ثالث أكبر قوة نووية فى العالم.
حتى أن وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة روز جوتمولر تتساءل إذا كانت الصين التى ما كانت تراها الولايات المتحدة إلا تهديدًا ضئيلاً تسعى الآن إلى سباق أمريكا فى سلاحها النووي.
ويقول خبير الأسلحة النووية الصينية بمؤسسة كارنيجى الأمريكية، تونج تشاو، إن تعزيز الصين ترسانتها النووية هدفه أن تعدها الدول لا سيما الولايات المتحدة بمحمل الجد، ولأن العالم أصبح أخطر، ولأن السلاح النووى قد يُكسب الصين علوًا كبيرًا.
أما إيران، فقد زاد مخزونها من الوقود النووى كثيرًا منذ انسحاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاتفاق النووى المُبرم فى عهد أوباما فى 2018. ويقول مسئولون أمريكيون إن إيران قادرة الآن على إنتاج ما يكفى لصنع قنبلة نووية فى أقل من أسبوعين، وإنهم قلقون من أن إيران قد تُسارع بناء سلاح نووي.
وعن روسيا، فما تزال آخر اتفاقية متبقية للحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهى معاهدة ستارت الجديدة، سارية المفعول، ولكنها محدودة الصلاحية- فقد علّقت روسيا مشاركتها فى 2023، وتبعتها الولايات المتحدة فى بعض نصوص المعاهدة. يؤكد كلا البلدين أنهما لا يزالان ملتزمين بعدد الرءوس النووية، لكن هذا قد يتغير مع انتهاء صلاحية المعاهدة فى فبراير 2026 بعد تمديده فى عام 2021.
و فى كوريا الجنوبية، يحظى تطوير سلاح نووى بدعم شعبى كبير، بسبب تهديد كوريا الشمالية والصين، بالإضافة إلى تنصل ترامب من وعود الولايات المتحدة بحماية حلفائها رغم أنه فى 2023، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تاريخية لزيادة التعاون والتشاور النووى مع كوريا الجنوبية لطمأنتها، ومن قرائن ذلك أن بعض هذه المشاورات توقف بعض الوقت بسبب الاضطراب السياسى فى كوريا الجنوبية.
حتى اليابان – الوحيدة التى تعرضت لهجوم نووى – دعا رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا مؤخرًا إلى إعادة النظر فى مبادئ البلاد المناهضة للأسلحة النووية، وإلى مناقشة مسألة مشاركة الأسلحة النووية أو استضافتها. وإذا قررت اليابان يومًا ما امتلاك سلاح نووى بمفردها، يُعتقد أنها تمتلك القدرة على بناء سلاح نووى فى غضون بضعة أشهر. ويرى خبراء أن اليابان ودول آسيوية أخرى قد تسعى نحو السلاح النووى ذلك إذا ما قررت الصين غزو تايوان.