قال أئمة التشخيص فى العالم وعلى رأسهم «مارلون براندو».. أو الأسطورة كما أطلقوا عليه فى هوليوود (غير طبعا الأسطورة اياها).. قال ان الممثل الذى لا يستطيع ان يدهش المتفرج فى كل دور يؤديه عليه ان يبحث لنفسه عن وظيفة أخرى غير التمثيل.. ومن خلال المسلسلات التى تم عرضها فى المهرجان الرمضانى الذى يمثل ذروة الموسم الدرامي.. سوف نتأكد ان كل فنان مغامر أى راهن ان يسبح عكس ما يتوقع منه الجمهور.. ونجح فى الهروب من شخصيات نمطية معروف أولها وآخرها.. هذا هو الممثل الفائز فى هذا الزحام الفني.. من بين 32 عملا توزعت بين القنوات المختلفة.. وتنوعت فى ألوانها.. وبسبب عنصر المغامرة أو تغيير النمط.. استطاعت الأعمال الكوميدية أن تفوز على الأكشن الذى دار أغلبه فى فلك الجبروت والبلطجة والعنف وأخذ الحق بالذراع والبودى جارد والسلاح.. فى أجواء المخدرات وسرقة الآثار والتزييف والنصب.
الفائزون فى المسلسلات حتى التى دارت فى قالب الأكشن.. هم من قالوا للمتفرج: انتظر لا تمر علينا مرور الكرام لأنهم وضعوا على وجوههم أقنعة جديدة مبهرة.
الحشاش الأول
فى شخصية حسن الصباح.. يظهر كريم عبدالعزيز فى قالب مختلف ساعده النص البديع الذى كتبه عبدالرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمى وأنفقت عليه الشركة المتحدة بسخاء وتضافرت كافة العناصر من ملابس وديكور وموسيقى واكسسوار وصوت وتصوير.. وأنا مختلف مع الذين قالوا بأن كريم قدم «الصباح» بوجه لم يغيره أو بلغة الصنعة بـ»تون» واحد.. لانه لجأ إلى الهدوء وهى سمة رجل عالم وداهية مثل الصباح.. يتلاعب بالعقول ويسحرها بكلماته التى يظهر فيها غير ما يبطن (من هنا جاءت تسمية الباطنية وطبعا لا علاقة لها بالباطنية وكر المخدرات المعروف سابقا).
وفى المسلسل نفسه.. توقفت أمام أحمد عبدالوهاب فى دور «يحيي» ولأول مرة أعرف هذا الممثل الذى أدى دوره كأنه يعمل بالتشخيص منذ نصف قرن.. وهذا ما ينسحب على محمد يوسف فى دور صهبان بتكوينه الجسدى وتشعر بأنه جاء من زمن الصباح نفسه.. وقد لعب دور صديق عمر الخيام ولمسة الابتسامة فى المسلسل.. وقد أحسن عبدالرحيم كمال فى رسم هذه الشخصية ومن النماذج البارزة سامى الشيخ الحارس الذى نجح فى تهريب الصباح ثم أصبح ذراعه اليمنى وبينهما مشاهد عالية فى كتابتها وأسلوب الأداء من الطرفين لأنها أساسية فى سياق المسلسل وساخنة وقد اخترت ميرنا نور الدين كأحسن ممثلة وهى التى لعبت دور زوجة الصباح التى تمردت عليه.. ولا يمكن اغفال نضال الشافعى (الإمام الغزالي) وقد كشف عن امكانياته فى أعمال سابقة تمرد فيها على حبسه فى منطقة المضحكاتى التى تقتل الممثل بدرى بدرى وان لمع فيها لبعض الوقت.
الإمام النبوي
فى دور يبدو للبعض انه بسيط يعلن خالد النبوى التحدى بعد نجاح فى رسالة الإمام العام الماضى ليدهشنا فى إمبراطورية ميم الذى أخذ فكرة القصة الأصلية لكن صياغة محمد سليمان عبدالملك جعلت منها عملا اجتماعياً فريداً.. تجاوز حدود بيت الأب الأرمل مع نصف دستة من العيال كل واحد منهم له مشاكله الخاصة.. لنجد أنفسنا أمام قضية مصيرية.. بين جبروت المال الذى يريد أن يشترى كل شيء بما فى ذلك ذكريات الناس وتواجدهم وأخلاقياتهم وكأنه يخلعهم من جذورهم.. ويكون التحدى ان من يتصدى بشرف لهذا الجبروت يصبح متهما.. وعصابة المال هم أصحاب الحق بالباطل ورأينا النبوى يلعب دوره باتقان ومعلمة وخبرة فى مسلسل أدارة المخرج محمد سلامة بامتياز.. وبرزت نشوى مصطفى (أخته مديحة) بحنانها وطيبتها ومشاعرها مع محمود حافظ (ابن مامته) فى قصة حب مختلفة باحترام.. وأدهشنا النبوى (2) الصغير أمام والده.. ببراعة.. وقد نضجت حلا شيحة (الجارة).. و استفزتنا الشابة (مايان السيد) حسب مقتضيات دورها.
ومن المغامرين هذا العام ياسر جلال فى مسلسل «جودر» أخذنا إلى أجواء ألف ليلة وليلة مع كاتب راسخ وكبير هو أنور عبدالمغيث الذى يعود بعد غياب طويل لكى يؤكد ان أصحاب الخبرات فى الكتابة هم أعمدة الدراما الأساسية ولا يمكن الاستغناء عنهم بحال وبدونهم نرى صورا فارغة ومكررة مهما كان أبطاله من اللامعين وفى الصف الأول.
وكشف كريم محمود عبدالعزيز عن ممثل جيد خلف ظرفه وخفة دمه فى موضوع مختلف مع شيكو (خالد نور وولده نور خالد) والعنوان يوحى بأننا أمام قصة يمكن ان تخرج منها الكثير من المواقف المضحكة.. وهى فيها بالفعل والأهم ان كريم وشيكو لا يفتعلان بل يأتى الضحك من الجد.. وتثبت دينا ماهر انها قد دخلت مرحلة جديدة كممثلة فى عملين.. فهى تظهر أيضاً مع «كوبرا» وهو عمل عبارة عن صنف من مسلسلات وأعمال سابقة مثلها نجمنا الكبير عادل إمام.. وأنا لا ألوم الابن محمد لأنه يأخذ بعض الأشياء من والده فهذه مسألة طبيعية لكن عليه أن يستثمر درجة القبول عند الناس ويبحث عن موضوعات يبرز فيها قدراته بعيدا عن شغل العصابات والبلطجة وقد قدم تجربة سينمائية متميزة جيدا فى فيلم «ابو نسب» مع ممثل من العيار الثقيل هو ماجد الكدوانى ومن جاور «التقيل يتقل» يا أبو حميد وضع فى اعتبارك ان النص هو أساس نجاحك وتقدمك أنت وغيرك.
عندما سعى أكرم حسنى للبحث عن موضوع مختلف نجح أن يقدم كوميديا اجتماعية بعيدا عن شغل القلش والافيهات التى غرق فيها الكبير أوى وان كان قد حاول تعويضها بخلق مواقف تتغير فيها الملابس والأحداث حتى رأينا المسلسل عبارة عن عدة مسلسلات فى بعض وأرى ان بطاريات شحن الكبير قد نفدت وعليه أن يفكر فى الجديد وكتر ألف خيره فهو ممثل ذكى وشاطر ونفادى والعتر وهدرز أوراق أعمارها قصيرة وقد هرب منها فزاع «هشام اسماعيل» ووجدناه يحلق بعيدا مع يحيى الفخرانى فى عتبات البهجة وأيضاً مع محمد عادل امام فى كوبرا بمشاهد صغيرة لكنها تؤكد امكانياته التى لم يطلقها كلها حتى الآن.. ومن الفائزين هذا العام «دياب» بمسلسل «مليحة» وهو اختيار جيد جاء فى وقته تماما وأفلت به دياب من دائرة البلطجة والشر إلى عمل سوف يعيش والقضية الفلسطينية مظلومة دراميا وفيها موضوعات عظيمة تحتاج من يمد بصره ويده إليها فى أعمال تضمن تسويقها عربيا لأن فلسطين قضية الأمة العربية كلها واختيار الممثلة الفلسطينية فى دور أعطى للمسلسل مصداقية.
واضيف إلى طابور المغامرين سلمى أبو ضيف فى مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» وهو عنوان لتميم زكى ومن وحى الموضوع وأصفق لآل دياب تأليفا وإخراجا بمسلسل «أشغال شقة» بطولة هشام ماجد وأسماء جلال وهنا رأينا «عتر» آخر غير الذى نراه مع الكبير.
ولابد أن أتوقف أمام الثنائى الشاب عصام عمر واحمد داش فى مسلسل مسار اجبارى لأنه انطلق من فكرة جيدة فى مسار معتاد وان تمت معالجته بأسلوب جيد وكانت الحلقات الـ ١٥ فرصة لأسماء وموضوعات اختلفت مع مخرجة شاطرة هى نادين خاين ومجموعة كتابة أحسنت المعالجة ورسم الشخصيات ولولا شيشة داش التى لا مبرر لها وأفسدت بعض المشاهد لأن الشخصية هنا ملفتة لأنظار أبناء جيلهم ونحن لا نقدم ملائكة فى الدراما لكن نستطيع بتفاصيل صغيرة أن يلعب بعقل الشيطان شخصيا واسألوا أهل الدراما ان كنتم لا تصدقون والرسالة الواضحة فى دراما هذا العام ابحثوا عن الجديد حتى لو كانت فى أدوار أصغر بأجور أقل لكنها ستأتى بما هو أكبر وأكثر.. إلا إذا كانت المسألة أكل عيش أو سبوبة فقط.. يا سيدى اضرب لك اعلانين تلاتة وتحول مثل الغالبية إلى مندوبى مبيعات بدرجة فنانين!!