بقلوب معتصرة على فراق رمز من رموز السلام التي قلما نجدها في هذا الزمان، ودعنا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، رمز الرحمة والإنسانية. لقد فقدت البشرية جمعاء صوتًا نقيًا نادى بالمحبة والسلام، وذراعًا امتد بالعطاء لكل محتاج، وضميرًا حيًا لم يرضخ أمام الظلم، بل واجهه بكلمات الحق والعدل.
منذ اعتلائه الكرسي الرسولي، حمل البابا فرنسيس رسالة سامية تتجاوز الحدود الجغرافية والانتماءات الدينية، فكان نصيرًا للفقراء، ومدافعًا عن اللاجئين، وداعمًا للسلام، وداعيًا لحوار الأديان من أجل عالم أكثر تفهمًا وتسامحًا. لقد وقف في وجه الخطابات المتطرفة، وانتصر للإنسانية في كل مكان، دون تفرقة أو تمييز.
في زمن طغت فيه آلة الحرب على صوت العقل، وقف البابا فرنسيس بشجاعة أمام المأساة المستمرة في قطاع غزة، معبرًا عن ألمه العميق لما يعانيه الأبرياء من ويلات الحصار والعدوان. ودعا مرارًا إلى وقف العنف وإعلاء صوت الإنسانية، قائلاً: “ليصمت السلاح، ولتعلو صرخات الأطفال على دوي القنابل.” كان صوت البابا فرنسيس بمثابة ضمير عالمي يذكرنا بقدسية الحياة وحرمة الدماء، مهما كانت ديانة الإنسان أو عرقه.
وكانت زيارته التاريخية إلى مصر عام 2017 علامة فارقة في مسيرة الحوار بين الأديان، حيث حمل خلالها رسالة سلام إلى “أرض الكنانة”، مؤكدًا أن الأديان لا يمكن أن تكون مصدرًا للعنف، بل طريقًا للسلام. التقى خلالها والرئيس السيسي، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا تواضروس الثانى في تجسيد نادر لوحدة الرسالات السماوية وتلاقيها على مبدأ الإنسانية والرحمة. ترك البابا فرنسيس بهذه الزيارة أثرًا عميقًا في قلوب المصريين، وأكد أن المحبة أقوى من الكراهية، وأن مصر بلد السلام والتعايش.
تشرفت بلقاء قداسته خلال زيارته للمقر البابوي بالعباسية وزيارة الكنيسة البطرسية وكذلك بالقداس الجماهيري الضخم الذي أقيم باستاد القاهرة الدولى.
رحل اليوم البابا فرنسيس تاركًا إرثًا من النور في زمن كثرت فيه الظلمة، ورسالةً من الرحمة في عالم يئن تحت وطأة الصراعات. عزاؤنا الوحيد أنه زرع في قلوب الملايين بذور الأمل والمحبة، وأن صوته سيظل يتردد في المحافل والضمائر، داعيًا للوحدة والعدل.
نطلب من الله أن يلهم العالم قيادةً روحية تستكمل مسيرة هذا الرمز الأبوي، ويرسل لنا من يسير على دربه في نشر السلام وتعزيز الكرامة الإنسانية.