صناعة الذهب فى مصر ليست مجرد حِرفة، بل هى إرث حضارى يمتد عبر آلاف السنين، منذ أن أضاءت العصور المصرية القديمة تاريخ البشرية بكنوزها الذهبية التى لا تزال تذهل العالم..ولقد أصبح الذهب أحد أعمدة الاستثمار الآمن فى مصر فى ظل تقلبات الأسواق العالمية، بل أصبح ملاذًا اقتصاديًا آمنًا يحافظ على القيمة ويصون المقدرات..فلا يقف عند مجرد كونه «معدن أصفر»، بل يمثل صمام أمان ومصدر ثقة لرؤوس الأموال، وركيزة أساسية تواصل مصر من خلالها حكايتها الطويلة مع هذا المعدن النفيس.
وتمتاز مصر بأنها لا تعانى ظاهرة غش الذهب بما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب فى إقامة مشروعاتهم بقطاع صناعات المعادن الثمينة، وترفع من معدلات صادرات المشغولات الذهبية المصرية لمختلف الأسواق العالمية، وتضمن الحفاظ على حقوق المستهلكين المحليين.
الجمهورية حاورت إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات حيث أكد أن المنتج المصرى من الذهب يتمتع بميزة تنافسية قوية فى الأسواق العالمية.. كما شرح رئيس شعبة الذهب التحديات التى تواجه صناعة الذهب بمصر .. كاشفا فى حواره عددا من المقترحات التى يمكنها أن تجعل مصر ضمن العشر الأوائل فى صناعة الذهب على مستوى العالم.
وإلى نص الحوار..
> كيف ترى الوضع الراهن لصناعة الذهب فى السوق المحلي؟
>> صناعة الذهب فى السوق المحلى حققت تقدمًا كبيرًا بالاعتماد على المنتج المحلى عالى الجودة فقد وصلت مصر إلى مرحلة متقدمة عالميًا فى هذا المجال، وأخذنا خطوات كبيرة لتعزيز صادرات المشغولات الذهبية ففى عام 2023، ارتفعت مصر فى الترتيب العالمى لتصدير المشغولات الذهبية إلى المركز 54 بعد أن كانت فى المرتبة 92، وفى عام 2024 أصبحت مصر ضمن أفضل 30 دولة على مستوى العالم فى هذا المجال. وهذا الإنجاز يُعد تتويجًا للجهود المبذولة من الدولة والقطاع الخاص فى تطوير صناعة الذهب ودعم الكفاءات المحلية، بما يعزز مكانة مصر كدولة رائدة فى سوق الذهب العالمي.
> ما الخطة الاستراتيجية التى وضعتها شعبة صناعة الذهب لتطوير القطاع وزيادة تنافسيته محليًا وعالميًا؟
>> الخطة تهدف أن تكون مصر ضمن قائمة أفضل 20 دولة على مستوى العالم فى صناعة الذهب، وتعزيز الإنتاج المحلي، ودعم الابتكار، وتطوير الكفاءات البشرية، إضافة إلى التوسع فى الأسواق الدولية وزيادة الصادرات لتحقيق هذا الهدف الطموح، فنحن نحتاج إلى إثبات جدارتنا فى السوق المحلى أمام المشغولات المستوردة، مع التركيز على تعزيز ثقة المستهلك فى المنتج المصرى الذى يتم تصديره إلى الأسواق العالمية، وقد واجهنا بعض التحديات مع الجهات الإدارية فى الدولة، ولكن من خلال التعاون توصلنا إلى حلول تساهم فى تحقيق أهدافنا، والأبواب أصبحت مفتوحة أمامنا، وهناك مرونة فى تعديل القرارات التى ستدعم وصولنا إلى المستهدفات المطلوبة، بدعم كبير من الجهات المعنية للوصول بحجم الصادرات إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو ما يضع علينا مسؤولية كبيرة كقطاع صناعى مهم يُسهم فى تحقيق عائد ضخم من العملة الصعبة، ومن الطبيعى السعى بكل طاقتنا لدعم هذه الرؤية، كما نهدف أن نكون ضمن أفضل 10 دول على مستوى العالم فى صناعة الذهب، ونعمل جاهدين لتحقيقه.
> هل هناك تحديات تواجه المصانع المحلية حتى تتمكن من المنافسة عالميا؟
>> التحديات التى تواجه المصانع المحلية فى مصر عديدة، وأبرزها عدم توفر مستلزمات الإنتاج محلية الصنع، مثل الماكينات والمعدات والآلات، الأمر الذى يضطرنا للاعتماد على الاستيراد، وهذا بدوره يؤدى إلى فرض رسوم جمركية تزيد من تكلفة الإنتاج المحلي، مما يُثقل كاهل المصانع ويؤثر سلبًا على قدرتها التنافسية. إضافة إلى المصاريف الإدارية المرتبطة باستيراد مستلزمات الإنتاج بما يعتبر عبئًا إضافيًا على المصانع، وفى قطاع صناعة الذهب على وجه الخصوص، تكون التحديات مضاعفة، حيث تسعى المصانع إلى مواكبة أحدث تقنيات الإنتاج بما يضمن الوصول إلى المنافسة العالمية، ومع ذلك، نواجه أحيانًا طلبات تتجاوز إمكانياتنا من المواد الخام المتاحة محليًا، كما أن القطاع يواجه صعوبات تمويلية كبيرة، حيث لا يتمتع بالدعم الكافى من القطاع المصرفي، فالبنك المركزى يعتبرنا من القطاعات عالية المخاطر، مما يحدّ من إمكانية الحصول على تمويل أو قروض، مثل قروض الذهب التى توفرها بعض الدول لدعم هذه الصناعة، ونطمح إلى تعزيز التصنيع المحلى لمستلزمات الإنتاج فى مصر لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وخفض التكاليف، وتحفيز المنافسة المحلية والدولية،، لكن هذا يتطلب دعماً أكبر من القطاع المصرفى لتحقيق تلك الطموحات.
> كيف يتم تحديد أسعار الذهب محليًا بناءً على الأسعار العالمية؟
>> يتم تحديد سعر الذهب المحلى بناءً على السعر العالمى من خلال ضرب سعر الذهب العالمى فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ورغم أن السعر المحلى يتبع فى الأساس السعر العالمي، إلا أن العرض والطلب يلعبان دورًا ثانويًا فى التأثير على الأسعار المحلية، ففى عام 2023 شهد السوق المحلى حالة استثنائية عندما ارتفع الطلب بشكل كبير على المنتجات الذهبية مثل السبائك والجنيهات الذهبية، نتيجة تهافت المواطنين على الشراء، مما أدى إلى تفوق الطلب على المعروض فى السوق، ونتيجة لذلك، ارتفع سعر الذهب المحلى عن السعر العالمى فى تلك الفترة، فى ظل زيادة الإقبال غير المسبوق.
> تقلبات أسعار الذهب عالميًا هل تؤثر على السوق المحلي؟
>> عندما يرتفع سعر الذهب عالميًا، ينعكس ذلك سريعًا على السوق المحلى بزيادة مماثلة فى الأسعار، وإذا انخفض السعر العالمي، يتراجع السعر المحلى أيضًا،ومع ذلك فإن هناك عوامل محلية يمكن أن تعزز هذا التأثير أو تحد منه، مثل العرض والطلب المحليين، وتكاليف النقل، والضرائب المفروضة، وحالة السوق الاقتصادية العامة،على سبيل المثال، فى حالة وجود طلب مرتفع على الذهب محليًا مع قلة المعروض، قد ترتفع الأسعار المحلية إلى مستوى أعلى من الزيادة العالمية، وعلى العكس، إذا كان الطلب ضعيفًا، قد يكون تأثير الانخفاض العالمى على السوق المحلى أبطأ أو أقل حدة.
> ما هى أبرز الأسواق المستهدفة لتصدير الذهب؟
>> نقوم حاليًا بتصدير المشغولات الذهبية والسبائك، والتى تمثل حوالى 10 ٪ من إجمالى الصادرات التى أعلن عنها وزير الاستثمار مؤخرًا وتشمل أبرز الدول التى نصدر لها حاليًا بعض الدول الأوروبية، إلى جانب الإمارات والسعودية.. كما نجحنا فى دخول أسواق جديدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أما بالنسبة للأسواق المستهدفة فى المرحلة القادمة، فإننا نركز بشكل خاص على الأسواق الأفريقية، بالإضافة إلى توسيع نطاق عملنا فى بعض الدول العربية. وتعتمد استراتيجيتنا الحالية على تعزيز التعاون مع الدول التى تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة، حيث يسهم ذلك فى تسهيل عملية تصدير المنتجات وتقليل الأعباء على المستوردين، مما يعزز تنافسيتنا فى هذه الأسواق.
> ما هى أبرز التحديات التى تواجه الصناعة فى ظل الوضع الاقتصادى الحالي؟
>> تتمثل أبرز التحديات التى تواجهنا مشكلات إدارية مع الجهات الحكومية مثل مصلحة الدمغة والموازين لدعم جهود التصدير والترويج للمنتجات المصرية بشكل أكبر، وكذلك الجمارك ومصلحة الضرائب، إلى جانب بعض القضايا المتعلقة بالأمور المالية لدى وزارة المالية، كما أننا نلاحظ أن هناك قطاعات صناعية أخرى تعانى من مشكلات مشابهة، إضافة إلى ذلك، واجهنا فى بعض الأحيان مواقف غير داعمة من البنك المركزى تجاه التصدير، لكن تم التفاهم مع البنك المركزى فى هذا الصدد. ومع ذلك، يبقى قطاع صناعة الذهب يعانى قلة الدعم، حيث لا نحصل على أى مساندة، على عكس العديد من القطاعات الأخرى التى تحصل على دعم تصدير على مستوى الخامات، ونطالب الحكومة بتقديم دعم التصدير على القيمة المضافة بدلاً من الخام، لتحفيز الإنتاج وتحقيق قيمة اقتصادية أعلي، كما نحتاج إلى مرونة أكبر فى استرداد القيمة المضافة التى ندفعها، بما يساهم فى دعم العمالة وتحفيز النمو فى هذا القطاع الحيوي.
> هل هناك نقص فى العمالة المدربة بمجال صناعة الذهب؟
>> هناك فعلاً نقص كبير فى العمالة المدربة فى مجال صناعة الذهبوللتعامل مع هذه المشكلة، نقوم بجذب الشباب الصغير لتعلم الحرفة من الفنيين الأكبر سنًا والأكثر خبرة، حيث يتم نقل المهارات والخبرات إليهم بمرور الوقت، أما بالنسبة للاستعانة بالمدارس الفنية، فرغم أنها خيار متاح، إلا أنها لا تقدم سوى معرفة سطحية مقارنة بمتطلبات الصناعة الحقيقية، ومناهجها عادةً ما تكون غير كافية. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن الطلاب غالبًا لا يظهرون اهتمامًا كبيرًا بالصناعة أو الحرفية، ويركزون فقط على النجاح الأكاديمى والحصول على الشهادة، لذلك يعتمد كل مصنع على تنظيم دورات تدريبية داخلية خاصة تتناسب مع طبيعة عمله، إضافة إلى إرسال الموظفين إلى دورات تدريبية خارجية للاطلاع على أحدث التقنيات والتطورات فى مجال صناعة الذهب.
> كيف تؤثر التكنولوجيا الحديثة على طرق التصنيع؟
>> بشكل عام طرق التصنيع شهدت تطورًا هائلًا بفضل التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد (3D) مما ساهم فى تسهيل عملية التصميم والإنتاج بشكل غير مسبوق، ونحن على أعتاب مراحل متقدمة فى استخدام هذه التقنيات، الأمر الذى مكّننا من دخول الأسواق العالمية بقوة، وبدأنا العمل فى هذا المجال منذ عام 2007، وشهدنا تطورًا ملحوظًا فى 2011، لكن النقلة الكبرى جاءت فى عام 2023، حين قمنا بإدخال ماكينات حديثة ومتطورة إلى خطوط الإنتاج، ما أحدث فرقًا كبيرًا فى الكفاءة والجودة، وفى مصر يوجد 11 مصنعًا كبيرًا موزعة فى المناطق الصناعية الجديدة، إضافة إلى حوالى 3000 ورشة ومصنع صغير، بما يميز مصر عن الدول الأخرى ذات السمعة فى تصنيع الذهب هو وجود هذا العدد الكبير من المصانع الكبيرة، التى تُعد العامل الرئيسى فى التصدير، بينما تركز الورش الصغيرة على السوق المحلي.
> كيف يؤثر الإقبال المحلى على قرارات الإنتاج؟
>> الإقبال المحلى يلعب دورًا كبيرًا فى تحديد قرارات الإنتاج، حيث تتأثر طبيعة المنتجات والمشغولات بالمواسم والمناسبات المختلفة. على سبيل المثال، فى موسم عيد الأم يتم التركيز على إنتاج هدايا ذات تصميمات مميزة تناسب هذه المناسبة، بينما فى عيد الحب يتم إنتاج مشغولات خفيفة ورومانسية، أما موسم رمضان والأعياد وعيد القيامة فيتطلب تجهيز منتجات خاصة تتناسب مع طبيعة الاحتفالات فى هذه الفترات. فى المقابل، تشهد فترة الامتحانات هدوءًا نسبيًا فى الإنتاج، يتم خلالها التحضير لمواسم أكثر نشاطًا مثل موسم الأعراس فى الصيف، الذى يتطلب تجهيزات خاصة لتلبية احتياجات هذه الفترة
> ما الفئات العمرية الأكثر إقبالًا على شراء الذهب؟
>> الفئات العمرية الأكثر إقبالًا على شراء الذهب تتراوح بين 25 و55 عامًا، مع اختلاف واضح حسب طبيعة المكان. ففى المناطق الراقية، تكون الفئات الأصغر سنًا هى الأكثر اهتمامًا بشراء الذهب، حيث يميلون إلى اقتناء قطع عصرية ومواكبة للموضة، أما فى المناطق الشعبية، فإن الفئات الأكبر سنًا تُظهر اهتمامًا أكبر، نظرًا لتركيزهم على الادخار أو الاستثمار، وفى الصعيد والأرياف، يرتبط شراء الذهب بشكل رئيسى بتجهيز «الشبكة» للمقبلين على الزواج، مما يجعل الشباب فى بداية حياتهم الزوجية المحرك الأساسى للطلب.
> هناك اقبال شديد على السبائك والجنيهات الذهب والذهب المشغول فى المجوهرات ما هو الفارق من حيث المصنعية والقيمة الاستثمارية؟
>> الجنيه الذهب أو السبائك عادةً لا يتضمنان مصنعية مثل الذهب المشغول فى المجوهرات، لكن لا يعنى ذلك أنهما خاليان من القيمة الإضافية، فالذهب المحلى له قيمة فنية وصناعية تضاف إلى قيمته كسلعة مالية، حيث إن الذهب المحلى يتم تصنيعه وفق معايير معينة ويعتبر استثمارًا ثابتًا على مر السنين، فهو يبقى ذا قيمة مستقرة نسبيًا مقارنة ببعض الأدوات المالية الأخرى مثل صناديق الاستثمار التى قد تشمل مصاريف إضافية وتكاليف مرتفعة، وتاريخيًا لم يشهد الذهب أى هبوط مفاجئ حاد سوى بنسبة قليلة جدًا، مما يجعله من الخيارات الآمنة فى فترات الاضطراب الاقتصادى وهذا سر الاقبال عليه لأنه لن يخسر بأى حال.