قضايا وملفات كثيرة أعرف عنها ومنها ما يجعل إعمال العقل شيئاً من الجنون، وكما يعرف العارفون فإن المعرفة شكل من أشكال الأحمال الثقيلة على العقل الذى يحويها ويعبث بمحتوياتها عن طريق أدوات التفكير المعمق، لذلك أقول ان هناك معذبين بالمعرفة، وهناك من يعرف وفقط فيكتفى بأن يقرأ ويطلع ويفكر قليلا فيما عرف، لكن القليلين يعرفون ويفكرون ويفهمون ويصلون لمرحلة الوعى التام بكل ما يدور حولهم، وهؤلاء تزداد أحمالهم وأثقالهم لأنهم عرفوا وفهموا ووعوا ووقفوا على ناصية الحقيقة متربصين بالواقع المرير وضرباته المتلاحقة، وهؤلاء تتضاعف أعباؤهم ويسيرون على اشواك الحقيقة التى أدركوها بالمعرفة والفهم الصحيح والوعى التام، هؤلاء يعيشون ظروفا نفسية مضطربة لأنهم يعيشون الواقع بمرارته وليس الواقع المتصور بحلاوته، لكن السؤال هل هناك من يحمل فى قلبه وعقله هموم المعرفة وتداعيات حالة الفهم والوعى السابقة ويستطيع ان يركن إلى الهدوء والاسترخاء؟ الاجابة المباشرة هي: لا كبيرة وضخمة وواضحة، لكن الاصعب حقا هو ان يكون المسئول فى موقع مسؤلياته الرفيع فى حالة معرفة وفهم ووعى وادارة المشهد بقرارات وتحركات شديدة الصعوبة والخطورة ايضا، بحق السماء ما هذا الضغط الذى يعيش فيه هؤلاء العارفون ببواطن الامور وفى نفس الوقت مسئولين عن كل ما يجرى امام الله والناس والتاريخ، أعود إلى تفاصيل العديد من الملفات المفتوحة والتى تحوى بين دفتيها الكثير من الألغام التى يمكن أن تنفجر فى اى وقت اذا أسئ استخدامها أو التعامل معها فى لحظة ما، لذلك نعانى نحن حملة الأقلام كثيرا ونحن نكتب بحرص شديد مخافة من الوقوع فى فخ الخطيئة السياسية، والتى يمكن ان تحدث أزمة بين بلدين على سبيل المثال، أو يمكن ان تتسبب فى مشكلة رأى عام لا يمكن السيطرة عليها وكذلك يمكن ان نصل إلى احداث فتنة طائفية نتيجة مقال أو رأى أو خبر أو حتى تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك من الحكمة ان تكتب بمدادها، ومن جمال الصبر ان تستخدمه وقت الغضب، واحيانا يكون الصمت اكثر بلاغة من الكلام ويكون الكلام بمفرداته حدا فاصلا بين الحق والباطل، فلن تجد احدهم يسأل: لماذا لم يتكلم فلان؟ بل ستجد من يسأل: لماذا يثرثر هذا دون توقف؟ لكل ما سبق أجدنى مضطرا إلى الوقوف دقيقة حداد على روح بعض معتقداتي، ففلسفة الحقيقة والتعبير عنها باتت أمراً شديد التعقيد، ولن أزيد ففى فمى ماء.