الوحيد الذى حصل على لقبين مختلفين فى المعنى والمغزى هو الشيخ على محمود بلا منازع فهو إمام المنشدين ومرجع الملحنين، فقد كان معاصروه من القراء مغرمين بتصنيفه قارئ الموالد والتواشيح فى المقام الاول خاصة ان احداًً لم يصل إلى مستواه الرفيع فى هذا الفن. إلا ان المصنفين كانوا يؤكدون انه قارئ قرآن فى المقام الاول، وقد بدأ رحلته فى الابداع مبكراً فهو من مواليد حارة درج الحجازى بقسم الجمالية بالقاهرة عام 1880 وكان من اسرة على قدر من اليسر والثراء، وعندما فقد بصره مبكراً فى صغره وجهه أهله إلى حفظ القرآن على يد الشيخ ابى هاشم النبراوى ثم جود القرآن فى الجامع الأزهر على الشيخ مبروك حسنين ودرس الفقه على الشيخ عبدالقادر المازني. ليشتغل بتلاوة القرآن الكريم على ملأ من الناس فى مسجد سيدنا الحسين حتى اشتهر وكانت التلاوة فى مسجد الحسين مدرسة للإبداع فى أداء القواعد الغنية على أعلى مستوى فى الدقة. ويذكر المؤرخون ان الشيخ على محمود كان واحداً من أربعة متعاصرين من القراء المؤدين العباقرة الذين وصلوا فى شهرتهم إلى القمة وأدائهم مع اختلاف تجلياتهم وقدراتهم وآثارهم وهم محمد رفعت «1882 – 1950» و على محمود «١٨٨١ – 1946» ودرويش الحريرى «1881 – 1957» وأبوالعلا محمد «1878 – 1927» . وكان أستاذه الشيخ إبراهيم المغربى هو معلمه الاكاديمى بالمعنى الدقيق اذ كانت تخضع علوم الموسيقى والتلحين لأصولها العلمية والفنية وهو ما ساعد على ارتقاء معرفة الشيخ محمود وذوقه للإبداع فى اداء القواعد الفنية على اعلى مستوى من الدقة، كما ادرك علم النغمات والمقامات وأصول الفن، كذلك فقد ادرك على محمود التلمذة على الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب والشيخ عثمان الموصلى وغيرهما من أساطين ذلك العصر الذين عاشوا بفنهم قبل مكبرات الصوت واجهزة التأثير الصوتي. وفى ٣ يوليو 1939 أصبح قارئاً فى برامج الاذاعة المصرية وذكرت صحيفة الأهرام المصرية ان فقرة تلاوته بالإذاعة كانت تبدأ عند الساعة السابعة وخمس عشرة دقيقة. وبلغت مدة التلاوة الاولى له على أثير الاذاعة 40 دقيقة واعتمدته الاذاعة قارئاً لمساء يوم الأثنين من كل اسبوع لتبدأ رحلته مع الاحتفالات الدينية العامة والخاصة. ومن المناسبات التى افتتحها بتلاوة القرآن الكريم حفل ذكرى زواج الملك فاروق والملكة فريدة بدار الأوبرا الملكية فى القاهرة وبدأه بتلاوة بلغت 15 دقيقة كما أنشد فى عقد قران ولى عهد ايران وشقيقة الملك فاروق. وقد وصف النقاد أداء الشيخ بعبارات بليغة فقالوا عنه انه كان سيد المنشدين على ذكر والموائد النبوية وانه كان يجمع فى صوته كل الآت الطرب فإذا شاء جرى به فى نغمة العود أو الكمان او شدا به كما يشدو الكروان. وقد حباه الله ليناً فى صوته وامتداد فى النفس وبهذا كان يمسك بزمام النغم على هواه وما يزال به صعوداً أو هبوطاً وانخفاضاً وارتفاعاً حتى يستوفى كل ما رسم أصحاب الفن من مقامات ونهايات لأصول النغم. وقد صورت كتب التاريخ ما وصل اليه فن القراءة والأذان والتواشيح فى ذلك العصر تصويراً دقيقاً مبهراً فذكرت ان الأذان وما يتبعه من التسابيح والاستغاثات التى تتلى قبيل الفجر فى الحرم الحسينى كانت على نهج خاص فنعمة يوم السبت عشاق ويوم الأحد حجاز والاثنين نغمته سيكا إذا كان اول اثنين فى الشهر والثلاثاء سيكا والأربعاء جهاركاه والخميس رأست والجمعة بياتي، وفى هذا المحيط العامر بالفن والحافل بالتنافس درس الشيخ على محمود الموسيقى وضروب التلحين والموشحات. وكان الرجل إلى جانب ذلك صاحب ذوق فنى مرهف وبرغم انه عاش لينشد ويغنى على الطريقة القديمة المعروفة بطريقة «اولاد الليالى» فإنه استحدث كثيراً من النغمات والأصوات الرائعة وترك من هذه ثروة ممتعة لأصحاب الاجيال الجديدة من اهل الفن. وكثيراً ما اخذ عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب واقتبس من نغماته فى اغانيه، وقد تتلمذ على يديه فى التلحين والغناء إمام الملحنين الشيخ زكريا احمد وسيدة الغناء العربى أم كلثوم وأسمهان. ومن اشهر أعضاء بطانته الذين خلفوه فى الإنشاد الشيخ كامل يوسف البهتيمى والشيخ محمد البيومى والشيخ عبد السميع بيومي. وقد ترك الشيخ على محمود عدداً محدوداً من التسجيلات وهى من السور «الأنفال ويوسف والكهف ومريم و الأنبياء والقيامة وقصار السور» وبعض التواشيح التى طبعت على شرائط شركة صوت القاهرة وموجودة فى مكتبة الاذاعة المصرية وتذاع ومعها أناشيد وموشحات وليظل حتى الآن محتفظاً بلقب سيد القراء وإمام المنشدين .