هنا عاش واحد من أهم بشوات مصر وأكثرهم تأثيراً فى الحياة السياسية المصرية، هنا قصر عائلة سراج الدين الذى شهد مناسبات سياسية مصرية وعائلية تسجل جزءاً هاماً من تاريخ مصر.
وقد أطلق عليه «بيت العائلة الكبير» حيث جمع شمل تلك العائلة فى أفضل الاوقات وأحلكها كما شهد حفلات زفاف وأعياد ميلاد الأولاد والاحفاد وحفلات الشاى الشهيرة التى كانت تنظمها زكية هانم زوجة فؤاد باشا . كان اول حفل زفاف يقام فيه زفاف نائلة فؤاد سراج الدين عام 1950:، وآخرها كان عقد قرآن هبة الله ابنة ياسين سراج الدين، وقد شهد المنزل سهرات موسيقية فخمة حيث غنت فيه ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالمطلب، كما لم يمانع فؤاد باشا فى استخدام المنزل لتصوير بعض مشاهد من الافلام ومنها فيلم غروب وشروق. يقع القصر فى 9 تقاطع شارع احمد باشا مع شارع النباتات، وتبلغ مساحته 1800م مربع ويتكون من طابقين عدا البدروم ويضم 16 غرفة بخلاف الحديقة والجراج حيث يسكن الكبار فى المبنى الرئيسى بينما يعيش الأطفال فى السلاملك والذى يتكون من 4غرف وحمامين وغرفة للمربية وكان مخصصاً لإقامتها حتى سن العاشرة وفيه يتم تنشئتهم وتعليمهم آداب المائدة والتحدث وتهيئتهم للانتقال بعد ذلك للقصر. وكان القصر شاهداً على زيارات لشخصيات بارزة على رأسها النقراشى باشا ومصطفى النحاس والملك فاروق لحضور اجتماعات سياسية حيث انتقلت معظم العائلة لخارج القصر وظل به كبير العائلة. كانت أرض القصر ملكاً لشركة النيل للأراضى والزراعة، وقد بدأ تأسيس هذا القصر عندما قام «كارل بايرليه» مؤسس بنك كريد، فرنسييه ايجيبسيان وكان أول بنك تمويل عقارى فى مصر وهو المانى ذو أصول فرنسية بشراء الأرض حيث أراد الاستقرار فى مصر إلا أنه لم يستطع استكمال البناء لذلك عهد إلى المهندس الإيطالى «كارلو برونيليني» الذى جاء بالعمال والحرفيين المهرة من الأرمن واليونانيين والإيطاليين لمعاونة العمال المصريين. وقد بدأ تشييد القصر فى يونيو 1906 وانتهى فى 1908، وانتقل السيد بايرلندا بالفعل للإقامة فى القصر إلا أنه سرعان ماتوفى لتؤخر ابنتاه القصر للسفارة الألمانية ليصبح مهداً لزيارات إمبراطور ألمانيا إلى مصر فى الشتاء، وفى عام 1914 أعلنت الحرب العالمية الأولى فوضعت حكومة الاحتلال الإنجليزى القصر تحت الحراسة الجبرية بصفته من ضمن املاك الحكومة الألمانية. ومع توقيع معاهدة فرساى عام 1919 رفعت الحراسة عنه ليتم تأجيره إلى سيدة سويدية حولته إلى مدرسة داخلية تنافس بها مدرسة «الميردى ديو» والتى كانت مفضلة لأبناء الطبقة العليا فى مصر وتبعد مسافة صغيرة عن القصر. واستمرت المدرسة لمدة 10 سنوات ثم أغلقت لإفلاسها ويتم بيعه بعد ذلك إلى سراج الدين باشا الذى كان يقيم فى شارع المبتديان وأراد ان ينقل العائلة كلها للإقامة فى ذلك البيت الكبير، وبالفعل اشتراه عام 1930 ليقدمه هدية لزوجته نبيهة هانم بدراوى بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على زواجهما. وبعد ان توفى سراج الدين بعد أربع سنوات ترك القصر لابنه فؤاد باشا سراج الدين القيادى الحزبى الشهير بحزب الوفد والذى تولى رئاسة وزارة الزراعة فى مارس 1942، كما تولى منصب وزير الداخلية فى اكثر من حكومة ثم وزيراً للاتصالات والمالية ثم رئيساً للحزب. وقد قام الابن فؤاد بتغيير أثاث المنزل بالكامل عند زواجه واشترى الأثاث والمفروشات من محلات «كريجر» أشهر محلات الاثاث بباريس، إلا أنه احتفظ بالثريات التى زينت القصر ويرجع تاريخها لأكثر من مائة عام لتضيءالأعمدة المرمرية التى جلبت خصيصاً من منجم واحد بإيطاليا حتى تكون من نفس لون المدفأة التى اعتمدت لأول مرة فى مصر على نظام التدفئة المركزية عبر وصلات أسفل أرضية القصر. ومنذ عام 1908 حتى الآن ما زال البيت الكبير شاهداً على تاريخ مصر.