بين الاختلاف والخلاف فارق كبير.. فالاختلاف من طبيعة الأشياء.. وهو أمر واقع ينطوى على التنوع والتعدد ويقود إلى تلاقح الأفكار والتدافع بين الآراء واختلاف الحجج والبراهين.. وهو رحمة إذا كان بين العلماء الثقات فى الشريعة والفقه؛ إذا اختلفوا فى مسألة تتعلق بأمور حياتية.. أما الخلاف فيكون فى التنازع على الحقوق وتعارض المصالح والأهواء، وهو أمر غير مستحب لأنه يجلب الشقاق والتناحر ويقود للضعف وهو ما حذرنا منه الله تعالى بقوله: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.».
وحسنًا فعل شيخ الأزهر د.أحمد الطيب حين دعا عُلماء الأُمَّة؛ إلى أنْ يَنْهَضُوا -فى غير إبطاءٍ- لتحقيق وحدةٍ عُلمائيَّة «نسبة إلى العلماء»، تجمعُ رموز الإسلام من سُنَّةٍ وشيعةٍ وإباضيَّة، وغيرهم مِمَّن هم مِن أهل القبلة..فما أحوج الأمة أن يجتمع علماؤها بقلوبِهم ومَشاعرهم -قبلَ عقولِهم وعلومهم- على مائدةٍ واحدةٍ؛ لوضعِ حدودٍ فاصلةٍ بين ما يجبُ الاتِّفاق عليه، وما يصحُّ الاختلاف فيه، وأن نقتديَ فى اختلافاتِنا باختلافِ الصحابة والتابعينَ، ذلكم الاختلافُ الذى أَثْرى العلومَ الإسلاميَّة، وحوَّلها إلى مَعِينٍ لا ينضَبُ من اليُسرِ واللطفِ والرحمةِ، وأن نُوصدَ البابَ فى وجهِ اختلافاتنا المعاصرة، التى أورثَتْنا الكثيرَ من الشِّقاقِ والنِّزاعِ والضَّغائن والأحقاد، وقدَّمَتْنا لُقمةً سائغة للأعداء والمتربِّصين.
هذه دعوة طيبة من الإمام الطيب؛ فلابد لعلماء الأمة من كل المشارب أن يجتمعوا لتدارس ما يستجد فى واقعها من قضايا ومشكلات تستنزف الطاقات وتهدر الجهود.. فهل يعقل أن يثار فى كل عام فى رمضان نفس السؤال: هل نخرج زكاة الفطر نقوداً أم حبوبًا.. وتتجدد الإجابات بين فريقين؛ أحدهما يتمسك بنص الحديث النبوى الذى رواه ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: « «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ « زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَي، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»..وفريق يقول يجوز إخراجها نقدًا وعلى رأسه دار الإفتاء التى قالت: إنه يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا، وهو مذهب الحنفية وجماعة من التابعين وطائفة من العلماء لأن مقصود الزكاة الإغناء وسدُّ حاجة الفقراء، وهو متحقق بالطعام والنقد، وعلى ذلك يكون لا بأس إذا أخرج الناس الزكاة نقودا أو حبوبا فلا بأس فى الاثنين.. والسؤال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتكرر الجدل فى كل عام.. ولماذا لا يجتمع علماء المسلمون من كل الأقطار ليحسموا هذا الجدل منعاً للخلاف..؟!
أتصور أن دعوة شيخ الأزهر خطوة مهمة على طريق الخروج من الجدل الذى لا يفيد.. وخطوة على طريق الاجتهاد الفقهى المطلوب لمتابعة مستجدات العصر بما لا يخل بروح الشرع!!
تحية تقدير لشيخ الأزهر الإمام الطيب الذى لا يكف عن بذل الجهود لتعزيز قيم التعايش والأخوة الإنسانية والتقارب بين الأديان، جنبًا إلى جنب توحيد الأمة الإسلامية على كلمة جامعة للخروج من الخلافات والانقسامات التى تضر أكثر مما تنفع.
جبر الخواطر فى العيد
ها هو العيد قد أظلنا بفرحته وبهجته ليجمع شمل العائلات.. فهل بادرت بإخراج زكاة فطرك لإغناء الفقراء فى هذه الأيام.. هل جبرت خاطر الفقير والمسكين واليتيم.. حتى تتحول عباداتك من صلاة وزكاة وصوم وحج إلى سلوك حياتى يجنى المجتمع ثمراته لينتقل العبد من العبادات الشعائرية إلا العبادات التعاملية، والتى هى باختصار شديد أخلاقيات التعامل مع عباد الله بشتى أنواعهم وعقائدهم، كالصدق والعدل والأمانة والنصح والرحمة والعفو والإنصاف والإحسان.. وغيرها.. فالدين المعاملة.
فعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أى الناس أحب إلى الله؟ وأى الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضى عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشى مع أخ فى حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد ـ يعنى مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه فى حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. «رواه ابن أبى الدنيا والطبرانى وغيرهما».
للخير أبواب كثيرة.. لكن تبقى قضاء مصالح العباد أوسعها رحمة، وأقربها لصالح المجتمع؛ ومن ثم فهى مقدمة ومحببة إلى الله تعالى يقول صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه أبو هريرة، عن النبى قال: الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذى لا يفتر، وكالصائم الذى لا يفطر».
السعى فى قضاء حوائج الناس سبب فى بركة الرزق كما أن صلة الأرحام تمنح صاحبها بركة فى العمر.. كما أن منع الخير عن الناس سبب فى زوال النعم عنهم وقد يكون سبباً فى هلكتهم حيث توعدهم الله بالويل فى قوله تعالي: «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون».. ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم».. ويقول الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ «رضى الله عنه»: «اعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِكُم».
ندعو الله أن يرزقنا حسن الفهم وحسن العمل وشجاعة الاعتراف بأخطائنا حتى نبدأ فى إصلاح أنفسنا.. وفى هذه الأيام المباركة ندعو الله بإخلاص لعله يقبل منا.. اللهم انزع الغل والحسد من قلوبنا والخناجر من أيدينا والجحود والنكران من تصرفاتنا، والعنف من سلوكيات أبنائنا وأجيالنا الجديدة .
اللهم اجعل حكومتنا تنحاز دائماً للبسطاء من شعبنا ليكون ذلك تنفيذاً أمينا لما طالب به الرئيس السيسى الذى لا يكف عن الانحياز لمحدودى الدخل.
اللهم أصلح تعليمنا وصحتنا وبحثنا العلمى أساس أى نهضة أو تقدم.. اللهم احفظ شبابنا وجنبهم الاستسهال وارزقهم فهم ما يدرسون حتى يخرجوا لسوق العمل مسلحين بالمعارف والخبرات والمهارات المؤهلة للمنافسة.. اللهم احفظ مصر وشعبها ورئيسها وجيشها وشرطتها.. واجعلها على قلب رجل واحد لتكمل ما بدأته من إنجازات ومشروعات سوف تنقلها لمصاف الدول المتقدمة.. اللهم أمين.