خارج صالة: الألعاب الرياضية، التى تقام عليها مسابقات المبارزة بالسلاح أو مبارزة السيف كنت فى انتظار صديقى الذى خرج من الصالة مصطحباً معه رجلاً يقارب الخمسين من عمره متوسط القامة يبدو نحيلا جداً وعلى وجهة ترتسم أمارات الحزن الشديد بينما يقوم صديقى بمواساته قائلاً المرة القادمة ينتصر «هزيم» وبعد أن مضى الرجل إلى حال سبيله سألت صديقى: ما الحكاية؟ فأجابنى ابنه هزيم خسر مبارزته منذ قليل فقلت له أو تدرى معنى اسم هزيم قال إنه صوت الرعد فابتسمت متذكراً المسلسل اليابانى الأنيمى والمعرب باسم «هزيم الرعد 1994» حيث المقاتل الشجاع الذى لا ينهزم أبداً لكن يبدو أن الزمن الإنسانى تغير والنصر ليس إلا لهزيم الرعد الأنيمى فحسب!
فى القصيدة الشهيرة «إذا» للشاعر البريطانى روديارد كيبلنج يقول الشاعر: إذا استطعت أن تحتفل بالنصر وترضى بالهزيمة وتعامل هذين المخادعين على نفس القدر من المساواة.. فلك الأرض وما عليها، وستغدو فوق ذلك كله رجلاً..
يابني! وهذا ما يؤكده الكاتب الفرنسى «إنطوان دوسانت إكزوبيرى» الذى يرى أنه لا معنى للنصر أو الهزيمة، فالحياة تعاش من ورائهما، فالنصر قد يجعل شعباً ما ضعيفاً بينما قد توقظ الهزيمة شعباً آخر، والتاريخ حافل بهذا المعنى، وفى قرننا الواحد والعشرين يبدو مفهوم النصر مراوغاً إلى حد عدم تعريفه إذ يدخل فى أمر التعريف صراعات بين أطراف تتلاعب بأمر تعريفه من خلال قضايا إنسانية معلقة فى مضامينها ونتائجها لتجعل وفى ظل وسائل إعلام متورطة فى اللعبة مفهومى النصر والهزيمة غير واضحين ومحددين، ومن ثم لا توجد آثار واضحة يمكن للبشر فهمها بالنسبة لمعنى النصر أو الهزيمة.
وعبر التاريخ هناك أمثلة بعضها طريف وآخر مؤلم لمعنى الهزيمة فى مقابل النصر فقد روى من الحكايات الشعبية أن ثوراً هائجاً هجم على عنتره العبسي- ابن شداد – فلاذ عنتره بالفرار وعندما سخر منه القوم قال لهم وهل يعرف الثور أنى عنتره؟ وهنا تكون الشجاعة نوعاً من الحماقة وموتاً رخيصاً بلا ثمن وفى المقابل تتخلى الحكمة عن حكيم وفيلسوف مثل سقراط عندما يقرر أن يواجه الموت بتهور فردى رغم كل سبل النجاة أو الهروب المتاحة أمامه مع أن الشجاعة لدى الفيلسوف اليونانى هى وسط بين التهور والجبن، لكن لم يفعل.
ويرى «باولو كويللو» أن النصر والهزيمة هما جزء من حياة كل إنسان إلا حياة الجبناء لأنهم لا يربحون ولا يخسرون إطلاقاً. الهزيمة هى سيادة اليأس لدى الفرد أو الجماعة بديلاً عن الأمل والاستعداد لمواصلة المشوار وهذا ما لم تفعله اليابان وألمانيا بعد هزيمة ساحقة فى الحرب العالمية الثانية فلم يستسلما لواقع مدمر دون العمل مهما بلغت صعوبته لصنع واقع آخر مختلف.
ومن أجمل ما كتب «صلاح جاهين» فى رفض الهزيمة والاستسلام لها هى تلك الأبيات: دلوقت نقدر نفحص الصورة، انظر تلاقى الراية منشورة متمزعة لكن مازالت فوق بتصارع الريح اللى مسعورة.