تابعنا جميعا تصريحات الرئيس الأمريكى الغريبة والعجيبة والتى طالب فيها بعبور السفن الأمريكية قناتى السويس وبنما مجانا، حيث يعتقد ان لأمريكا الفضل فى وجودهما كما صرح بنفسه وكلف وزير خارجيته بمعالجة الأمر، إلى هنا انتهى التصريح ولم تنته آثاره وتداعياته.
لكن وبعيداً عن المواقف والقرارات والتصريحات الرسمية التى تحكم العلاقات بين الدول، وبعيداً عن المواقف الشعبية التى ترفض رفضا غير قابل للنقاش اى مساس بسيادة وحقوق الدولة المصرية وعلى رأسها قناة السويس التى تمثل شريان الشرف والعزة والكرامة، وبعيداً عن المزايدات الإخوانية التى تبحث عن أى أزمة تواجه الدولة المصرية لتستغلها فى محاولات متكررة وفاشلة فى تأليب الرأى العام وابتزاز الدولة المصرية، وبعيدا عن خندق المنبطحين الذين يقبلون باى إملاءات خارجية، بعيدا عن كل ذلك وبعيدا عن رأيى الشخصى فى مثل هذه التصريحات الحمقاء التى تثير حالة من الاشمئزاز اللعين، احاول هنا ان أقف على حقيقة الموضوع، فتصريحات ترامب بخصوص قناتى السويس وبنما لا يجب ان نفصلها عن باقى تصريحاته العجيبة منذ وصل إلى البيت الأبيض.
فهناك عشرات التصريحات المشابهة والتى تطالب باحتلال دول مثل كندا والدنمارك وبنما وغيرها ثم يتراجع ترامب ويغير من آرائه وكذلك يفرض تعريفات جمركية متباينة السعر على 180 دولة ثم يلغى ويؤجل ويجمد ويفرغ القرار من محتواه، لذلك وجدنا تلك الدول تتعامل بهدوء وحكمة ودون صدام معلن ومباشر مع ترامب، وفى نفس السياق كتبت وول ستريت جورنال مقالا عن هذه الظاهرة الترامبية العجيبة واستشهد الكاتب مولى بول بمواقف ترامب وتراجعاته، يقول الكاتب الأمريكى (قال الرئيس ترامب هذا الأسبوع إنه لا ينوى اقالة رئيس الفيدرالى الأمريكى جيروم باول ــ رغم أنه كان قد دعا إلى «فصله» قبل أيام قليلة فقط وبعد ساعات، صرّح بأن الرسوم الجمركية على الصين لن تكون مرتفعة جداً رغم أنه كان قد صعّدها إلى 145٪ قبل أسابيع، وبعد أن كان قد تعهّد سابقاً بالتوسط لتحقيق السلام فى أوكرانيا فور توليه المنصب، قال الآن إن الولايات المتحدة قد تنسحب كلياً من النزاع إذا لم يتم قبول الاتفاق الذى طرحه. كما أنه، بعد أن كان قد تباهى بأن برنامج DOGE سيقلص حجم الحكومة الفيدرالية بشكل جذري، قال إيلون ماسك هذا الأسبوع إنه سيتراجع عن هذا الجهد بعد أن خفض هدفه الأساسى بنسبة 90٪. وقال ترامب الأربعاء: «كان من المتوقع دائماً أن يتراجع تدريجياً».
يقول الكاتب – وهذا هو المهم لدينا ونحن نفكر فى كيفية التعامل مع هذه التصريحات المزعجة – عند جمع هذه التراجعات معاً، يظهر نمط صادم لرئيس يفتخر دوماً بعدم التراجع، مما قد يضر بعلامته السياسية كمقاتل لا يلين. ومع اقتراب مرور 100 يوم على بداية فترة ترامب الثانية المضطربة، تشير هذه التراجعات إلى أن تراجع شعبيته قد يكون أجبره على تعديل بعض من أهدافه الطموحة) انتهى الاقتباس، وهنا وعلى صعيد آخر أود ان أورد الحقائق التالية بخصوص قناة السويس: اول من وصل البحرين الأحمر والمتوسط هم الفراعنة عام 1850 قبل الميلاد حيث تم شق قناة سيزوستريس عبر نهر النيل، وفى عام 1859 بدأ المصريون فى حفر القناة الحالية واستمرت عمليات الحفر 10 سنوات شارك فيها مليون مصرى واستشهد 120 ألف منهم قبل افتتاحها الأسطورى عام 1869 وخلال نفس الفترة الزمنية كانت أمريكا تشهد حربا أهلية شرسة بسبب تجارة العبيد ونظام الرق راح ضحيتها ملايين البشر.
أما قناة بنما فامريكا هى من فكرت وحفرت وشيدت القناة ثم تنازلت عنها طواعية لبنما، إذن ليس لأمريكا أى علاقة بإنشاء وحفر قناة السويس فى اى فترة زمنية، لكن لا يجب ان نغفل ما صرح به الرئيس الأمريكى من قبل وقال ان بلاده تخوض حربا ضد الحوثيين بمفردها وتتحمل تكلفة باهظة يجب ان تساهم فيها مصر وأوروبا لأنهم اكبر المستفيدين من عودة الملاحة لقناة السويس.
فهل أراد ترامب ان يفتح المجال للمفاوضات فطالب بالإعفاء الكامل من الرسوم بهذا الشكل الفج؟
أم هل أراد ترامب ان يزيد من ضغوطه على مصر لاجبارها على الموافقة على تصفية القضية الفلسطينية؟
فى كل الأحوال فإن الاخوان سيمارسون ضغطا اضافيا بالمزايدة والابتزاز والتشكيك والتهييج داخليا وبشكل علنى لدغدغة مشاعر الجماهير ويقدمون انفسهم للخارج عارضين خدماتهم بانهم جاهزون لتنفيذ كل ما يطلب منهم دون قيد او شرط حال اعادة تمكينهم من السلطة.
الخلاصة: علينا ان نترك تقييم وتقدير الموقف وآلية التحرك للقيادة السياسية دون مزايدات أو ضغوط وثقوا بالقيادة السياسية وأحسنوا الظن بها.