عجيب أمر هذا الشهر فى قصّة الصراع مع العدو الصهيوني، إذ هالنى كمّ المذابح التى ارتكبها العدو الصهيونى فيه، صحيح لم يخل شهر بل يوم فى قصة الصراع الممتد منذ وعد بلفور 1917 حتى اليوم 2025 بل وقبلهما منذ النكبة حتى الـ520 ألف جريح وشهيد ومهجر فى «طوفان الأقصي» من مجزرة ارتكبها العدو الصهيوني، إلا أن شهر «أبريل» له تميّز خاص فى تاريخ الصراع وهو ما جعلنى أسجّل بعضاً من تلك المجازر ليس بهدف الرَصد فقط بل بهدف التعلّم والدرس.
إن شهرأبريل فى قصّة الصراع كافية لمَن فى قلبه وعقله ذرّة عزّة وكرامة وإنسانية، وتلك فقط أرقام، وليس قصصاً مطوّلة وإن كانت بالفعل تستحق، عن نماذج من مذابح أبريل منذ العام 1948 حيث يُذكّرنا التاريخ بمجزرة قالونياً فى القدس 12/أبريل/1948، «مقتل 14 وإصابة العشرات».
وفى 13/أبريل/1948مجزرة اللجون، قضاء جنين، «مصرع 13 وإصابة العشرات» وفى 14/أبريل1948/مجزرة ناصر الدين «مقتل 12 وإصابة العشرات» وفى 19/أبريل/1948 مجزرة طبرية «مقتل 14» وفى 22/أبريل/1948 مجزرة حيفا «مقتل 100 وجرح 200» ثم لاحقا فى أوائل مايو مايو 1948 مجزرة عين الزيتون «مقتل 70 وكانوا أسرى مُقيّدين».
مجزرة صفد «مقتل 70 وإصابة العشرات». ثم امتد القتل طيلة الخمسينيات ونذكر مجزرة غزّة فى 5/ابريل/1956 والتى سقط فيها 60 شهيداً مدنياً، بالإضافة لعشرات المجازر إلى أن جاءت الانتفاضة الأولي1987 والثانية 2000 وشهد نيسان/أبريل فى الانتفاضة الأولى حوالى 25 مذبحة وفى الانتفاضة الثانية حوالى 20 مذبحة، ثم توالى القتل فى نيسان وفى غيره.
لأننا إزاء مئات المذابح التى ارتكبها الكيان الصهيونى ضد الفلسطينيين والعرب، فإننا سننتقى فقط ثلاثاً منها هى الأشهَر فى تاريخ الصراع ووقعت فى أبريل/نيسان.
الأولي: مذبحة دير ياسـين 9 نيسان/أبريل 1948 وهى مذبحة ارتكبتها منظمّتان عسكريتان صهيونيتان هما الإرجون التى كان يتزعّمها مناحيم بيغين، رئيس وزراء إسرائيل فى ما بعد، وشتيرن ليحى التى كان يترأسها إسحق شامير والذى أصبح أيضاً رئيس وزراء لاحقاً «طبعاً لأن ذبح العرب هو المعيار للوصول إلى أعلى المناصب فى الكيان الصهيونى وهذه حقيقة موثّقة فى تاريخ إسرائيل وليس إدعاء». وتمّ الهجوم باتفاق مُسبَق مع الهاجاناه، وراح ضحيّتها زهاء 260 فلسطينياً من أهالى القرية العُزّل. وكانت هذه المذبحة، وغيرها من أعمال الإرهاب والتنكيل، إحدى الوسائل التى انتهجتها المنظمات الصهيونية المسلّحة من أجل السيطرة على الأوضاع فى فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية.
ولقد أرسل مناحيم بيغين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الإرجون الذى ارتكب المذبحة قال فيها: «تهنئتى لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ فى إسرائيل». وفى كتابه المعنوَن «الثورة» كتب بيغين يقول: «إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى فى تفريغ البلاد من 650 ألف عربي». وأضاف قائلاً: «لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل».
وقد عبَّرت دولة العدو لاحقاً عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عاماً من وقوعها، حيث قرّرت إطلاق أسماء المنظّمات الصهيونية: الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة .
المجزرة الثانية: مجزرة قانا اللبنانية الأولي، ووقعت يوم الخميس 18 نيسان/أبريل عام 1996، وأعقبتها سلسلة من المجازر فى نفس المكان تحت مرأى ومسمع من العالم.
مجزرة قانا الأولى وقعت فى مركز قيادة فيجى التابع لليونيفيل فى قرية قانا جنوب لبنان، حيث قامت قوات الاحتلال بقصف المقرّ بعد لجوء المدنيين إليه هرباً من عملية عناقيد الغضب التى شنّتها إسرائيل على لبنان وأدّت إلى مقتل 106 من المدنيين.أما مجزرة قانا الثانية فوقعت فى 30 تموز/يوليو عام 2006 أثناء العدوان الإسرائيلى على لبنان وسقط على إثرها حوالى 55 شخصاً.المجزرة الثالثة مجزرة جنين والتى استطاع الفلسطينيون أن يحوّلوها إلى ملحمة بطولية من الصمود حتى الشهادة، ولقد وقعت فى 14/نيسان/2002، «إنها تفوق الخيال والوصف»، هكذا وصف تيرى لارسن مندوب الأمين العام للأمم المتحدة بشاعة الجريمة التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية فى جنين .فقد تنوّعت الجرائم الصهيونية فى المخيم من القتل العَمْد للعزْل إلى الاعتقال العشوائى بدأت عملية الاقتحام الفعلى لجنين، فجر يوم 2/ابريل/2002، وحشد جيش الاحتلال أكثر من 20 ألفاً من قوات الاحتياط وأكثر من 400 دبابة وناقلة جنود ومجنزرة، فى المقابل اشتعلت المقاومة بكل أشكالها، لدرجة تعرّض خلالها لواء «جولاني» الذى كان يقود عمليات الاقتحام إلى خسائر فادِحة، أوصلت رئيس الأركان الإسرائيلى شاؤول موفاز، إلى قرار بعزل العقيد يونيل ستريك، قائد هذا اللواء العسكرى المُكلّف بالمهمة وعيَّن نائبه المُقدَّم ديدى بدلاً منه، توالت الشهور والمذابح إلى أن جاء «طوفان الأقصي» 2023 وشهد «أبريل» مثل غيره من الشهور» الثامنة عشر الماضية» قتلاً للجميع نساء وأطفالاً باسم حماية الأمن الصهيونى والإفراج عن الأسرى ولم يتم! والحقيفة هى أن فلسفة القتل وعقيدة الدم لدى الصهاينة لا تحتاج إلى مبرر فهى كامنة فى «جينات العدو» ..وستتواصل جرائمه فى «أبريل « وفى «غير أبريل» ولا سبيل لايقافه فى فلسطين ومستفبلاً فى غالب بلادنا العربية الا بالوحدة والجسارة فى مواجهته! وفى ذلك فليتنافس المتنافسون!.