«مليش دعوة » و« أنا مالى» مفردات حصرية لقواعد السلبية التى تستشرى فى اى مجتمع خامل ، لكن المجتمع المصرى الذى يتميز بالحيوية الدائمة والوعى الحقيقى المختبئ وراء تفاصيل ومنمنمات صغيرة ، يجب أن يودِّع تلك العبارات والمفردات ، إننى أبغض عبارة «مليش دعوة «وأطلقت عليها مصطلح «الماليشية «ويشتد غضبى عندما اسمع عبارة «وأنا مالي» واطلقت عليها مصطلح «الأنا مالية « إنها تمثل حركات غير منظمة لكنها تنتج ثقافة صفراء رديئة ، لقد ظهرت هذه الحركات على أنقاض التجمعات الكلاسيكية التى طفت فوق سطح تلك البحيرات الراكدة، والمستنقعات العفنة التى استمرت عقودًا طويلة تستقبل كل أنواع الصرف السياسى غير المعالج فكريًّا واجتماعيًّا. اعتمد قادة هذه الحركة على نوعية الشائعات الخبيثة التى ينخفض مع تداولها منسوب الأمل لدى الأمة، ويسود الإحباط والقلق لدى النخب المختلفة، وبدأت كوادر هذه الحركة تتمدد وسط الجماهير، معتمدين على أدوات سطحية، وأفكار ضحلة، مستهدفين فقط «وعى الأمة»؛ فضرب أى مجتمع فى الصميم يبدأ وينتهى بالسيطرة على مراكز الوعى الجمعي؛ ومن ثم التلاعب فى المزاج العام، ثم الوصول إلى التحكم فى السلوك المجتمعي؛ لإصابته بحالة سيولة شاملة، يختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وتصبح الخيانة وجهة نظر، أما العمالة فتتحول إلى وظيفة مرموقة، ومصدر للثراء الفاحش. لا أدرى مَن يخطط لهذا المشهد، لكننى على يقين من نجاحه بامتياز خلال العقود الماضية؛ فالمجتمع صار صاحب مزاج حاد وعصبى فى القضايا السطحية، كقضية طلاق فنانة شهيرة، أو اعتزال راقصة، وتكون الشماعة أن الاهتمام العام بالشخصيات العامة حق وواجب! فى حين نجد المجتمع نفسه قد انزوى بعيدًا، ولم يهتم بالقضايا العميقة الجادة، كقضية السكان، أو الإدمان، أو الأمية على سبيل المثال. ولأن الإعلام مرآة الأحداث؛ فإننا نجده يسير خلف تلك الاهتمامات، ولم ننجح كثيرًا كمثقفين فى تحقيق تلك الاستدارة المطلوبة على مدار عقود طويلة مضت. استغل نشطاء «الماليشية الجديدة»و»الانامالية العفنة «هذا المناخ، وبدأوا بالطرق على نوافذ القلب والعواطف، وابتعدوا تمامًا– عن عمد– عن أبواب العقل؛ لئلا يستيقظ مجددًا ويفسد كل خططهم، ومع الأسف نجحت الحركة فى استقطاب الملايين فى أكثر من مليونى مقهى وكافيه فى عموم البلاد، ليرددوا شعار هذه الحركات المدمرة «ما ليش دعوة»، وهو التطور النوعى لشعار حزب «الأنامالية»التاريخى (أنا ما لي)، وتحولت شعارات هذه الأحزاب إلى ورقة عمل لكثير من الناس يرفعونها دومًا عندما تحدثهم عن قضية الوعي، وضرورة المشاركة بايجابية فى الشأن العام؛ لذلك أدعو الجميع إلى التقاط فرصة «الحوار الوطني»، والإمساك بها، والعمل على الخروج السريع من مستنقع «الماليشية»، و»الأنامالية «لمصلحة هذه الأمة.