منذ نحو 4700 عام عرف المصريون ذلك العيد الذى جمعهم على اختلاف عقائدهم الدينية ومازال حتى الآن، ففى عهد الملك تحتمس الثالث وفتوحاته العسكرية التى ساهمت فى توسع الإمبراطورية المصرية جغرافياً وخروجها بعيداً عن الحدود الجغرافية المصرية ونشر عادات وتقاليد مصرية غريبة عن هذه الحضارات إلا انه كتب لها الاستمرار وان حملت اسماء مختلفة. ويأتى عيد شم النسيم على قائمة الأعياد الزراعية فى مصر القديمة كما يتضح من اسمه «شمو» فى اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية وهى نفس الكلمة التى اطلقها القدماء على فصل الصيف وتحمل ايضاً معنى الحصاد وتحولت الكلمة إلى شم فى اللغة القبطية التى تعد مرحلة متأخرة من الكتابة المصرية القديمة لكن بأحرف يونانية. و يرى بعض المتخصصين فى اللغة المصرية القديمة ان تسمية شم النسيم تنطوى على تركيب لغوى كامل فى اللغة المصرية القديمة هو شمو «حصاد» – ان ال – سم «نبات» فى دلالة واضحة على عدم تحريف الاسم المصرى الاصلى بإدخال كلمة نسيم العربية التى يعرفها المعجم بأنها «ريح لينة لا تحرك شجراً» للإشارة إلى اعتدال الجو ومقدم فصل الربيع. وبدءاً من عصر الاسرة الخامسة حرص المصريون على تناول السمك المملح فى هذه المناسبة حيث ارتبط تناوله بأسباب عقائدية تنطوى على ان الحياة خلقت من محيط مائى أعلى لا حدود له خرجت منه جميع الكائنات أعقبه بعث الروح ووضع قوانين الكون، اما البصل فقد اطلقوا عليه اسم «بصر» خلال الاحتفال بعيد شم النسيم اعتباراً من الاسرة السادسة لارتباطه بأسطورة قديمة تحدثت عن شفاء أمير صغير من مرض عضال عجز الاطباء عن علاجه وكان البصل سبباً فى الشفاء بعد ان وضع النبات تحت وسادته واستنشقه عند شروق الشمس فأصبح تقليداً يحافظ عليه المصريون حتى الآن. أما بيضة شم النسيم فلها قصة مازالت تعيش حتى الآن بين المصريين حيث ترمز إلى التجدد وبداية خلق جديد فى العقيدة الدينية المصرية، فهى منشأ الحياة وقناة خروج أجيال من الكائنات واصل كل خلق ورمز كل بعث، وقد أطلق عليها المصرى القديم «طوحت» وذكرت فى برديات الادب الدينى القديم، عندما اعتقد ان الإله خلق الارض من صلصال فى هيئة بيضة ودب فيها الروح فبدأت فيها الحياة لذا كانوا يقدمون البيض على موائد القرابين لدلالته الرمزية والدينية على السواء، وقد اتسمت الموائد والأطعمة فى بيوت الطبقات العليا فى المجتمع المصرى قديماً من الكهنة والوزراء وكبار رجال الدولة بالبذخ حيث اشتهر الاحتفال بذلك، كما كانت الأطعمة تحمل مدلولاً دينياً وفكرياً ارتبط بالعقيدة، ومن أجمل الصور القديمة للاحتفال بشم النسيم تلوين البيض وكتابة الامنيات الخاصة عليه ووضعه فى سلال يتم تعليقها على الأشجار حتى يحصلوا على البركات وتتحقق أمنياتهم بحسب معتقداتهم، وهو مشهد يظهر مدى تمسك المصرى بالبهجة فى حياته وفى محيط أسرته وهو ما ذكر صراحة فى الترجمة الفرنسية التى قدمتها العالمة «كلير لا لويت» للنص المصرى القديم، كما أكد مفهوم البهجة فى نصوصه الادبية ومن بينها المقتطف الذى يطلق عليه «أناشيد الضارب على الجنك». وقد قسم المصرى القديم فصول السنة التى أطلق عليها كلمة «رنيت» إلى ثلاثة فصول فقط، حيث ارتبطت بالدورة الزراعية التى اعتمدت عليها حياته بالكامل وهى فصل الفيضان الذى أطلق عليه «آخت» ويبدأ من يوليو وفصل بذر البذور «برت» ويبدأ فى نوفمبر اما فصل الحصاد «شمو» فكان بدايته شهر مارس. واستمر حتى الآن انتشار الزهور والخضرة بشيراً لبداية موسم الحصاد حيث كانوا يملأون فخار الغلال بحصاده ويقدمون للآله الخالق طقوس احتفالية سنابل القمح الخضراء فى دلالة على الخلق الجديد الدال على الخير والسلام.